يقول القرآن الكريم: (قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ)[1].
إن (الأخدود) هو الشق العظيم في الأرض أو الخندق وهو هنا إشارة إلى تلك الخنادق التي ملأها الكفار ناراً ليردعوا فيها المؤمنين عن إيمانهم والرجوع إلى ما كانوا عليه من كفر وضَلال.
ولكن متى حدث هذا؟ في أي قوم؟ وهل حدث مرّة واحدة أم لمرّات؟ في منطقة أم مناطق؟
جرى بين المفسرين والمؤرخين مخاض طويل بخصوص الإجابة عن هذه الأسئلة.
والمشهور: أنّه أشار إلى قصه (ذو نواس) وهو آخر ملوك (حِميَر) في أرض (اليمن) وكان (ذو نواس) قد تهودّ، واجتمعت معه حِميَر على اليهودية، وسمى نفسه (يوسف) وأقام على ذلك حيناً من الدهر ثم أُخبر أنّ (بنجران) شمال اليمن بقايا قوم على دين النصرانية، وكانوا على دين عيسى (عليه السلام) وحكم الإنجيل، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية، ويدخلهم فيها، ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها، فأبوا عليه، فجادلهم وحرص الحرص كله، فأبوا عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها، واختاروا القتل، فاتخذ لهم أُخدوداً وجمع فيه الحطب، وأشعل فيه النّار فمنهم من أُحرق بالّنار، ومنهم من قُتل بالسيف، ومُثّل بهم كل مثله، فبلغ عدد من قُتل وحُرق بالنّار عشرين ألفا.
وأضاف بعض آخر: إن رجلاً من بني نصارى نجران تمكّن من الهرب، فالتحق بالروم وشكا ما فعل (ذو نواس) إلى قيصر.
فقال قيصر: أنّ أرضكم بعيدة، ولكنّي سأكتب كتاباً إلى ملك الحبشة النصراني وأطلب منه مساعدتكم.
ثمّ كتب رسالته إلى ملك الحبشة، وطلب منه الانتقام لدماء المسيحيين التي أُريقت في نجران، فلماّ قرأ الرسالة تأثر جداً، وعقد العزم على الانتقام لدماء قَتْلَى نجران.
فأرسل كتائبه إلى اليمن والتقت بجيش (ذو نواس)، فهزمته بعد معركة طاحنه، وأصبحت اليمن ولاية من ولايات الحبشة.
وذكر بعض المفسرين: إنّ طول ذلك الخندق كان أربعين ذراعاً وعرضه اثني عشر ذراع، (وكل ذراع يقرب من نصف متر، وأحياناً يقصد به ما يقرب من متر كامل).
وقيل: إنهّا كانت سبعة أخاديد وكل منها بالحجم الذي ذكرناه.
وقد تبين بأن العذاب الإلهي قد أصاب أولئك الذين قاموا بتعذيب المؤمنين، وانتقم منهم في دنياهم جراء ما هدروا من دماء زكيه بريئة،
وأنّ عذاب نار الآخرة لفي انتظارهم.
وأوّل من أوجد المحارق البشرية في التاريخ هم اليهود وسرت هذه الممارسة الخبيثة على أيدي الطواغيت والمجرمين، حتى شملت اليهود أنفسهم كما حدث في ألمانيا النازية حينما أُحرق جمع كبير من اليهود في محارق هتلر كما هو مشهور.
كما أصاب الخزي والعذاب (ذو نواس اليهودي) وهو مؤسس هذا الأسلوب القذر من الجريمة. والذي ذكرناه هو ما أشتهر بين أرباب التاريخ والتفسير من قصة أصحاب الأخدود.