حرب مؤتة

عندما هاجر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة المنورة أسس دولة الإسلام المباركة، ولعلها الدولة الوحيدة الموجودة في الجزيرة العربية آنذاك من حيث القيادة والتنظيم، وفي الوقت عينه كانت المنطقة المجاورة لها تعيش صراعاً كبيراً للسيطرة عليها من قبل دولتين عظمتين، وهما: دولتا الروم وفارس، وكانت بينهما عدة من الوقائع، وحدث أن انتصر الروم على دولة فارس في بلاد الشام، وعلى إثر ذلك تزايدت رغبة الروم في غزو مدينة النبي (صلى الله عليه وآله) وإيقاف المد الإسلامي والحد من انتشاره في المنطقة وخارجها، وهذا واضح من خلال قتلهم لرُسل النبي (صلى الله عليه وآله)، وقد نشبت بين المسلمين وبين الروم عدة من المعارك منها: غزوة دومة الجندل، وتقع دومة الجندل على خمس ليال من دمشق، وهي من أعمال الشام، وكذا المعركة التي قادتها سرية من المسلمين قصدت منطقة (ذات اطلاح) وهي في البلقاء من الأردن.

رسالة مهمة: ولم يكن هذا الأمر خافياً على النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)، لذا كان(صلى الله عليه وآله) يراقب تحركات دولة الروم، وعلى إثر ذلك قام(صلى الله عليه وآله) بخطوة عظيمة يوصل من خلالها رسالة مهمة إلى دولة الروم بأنه على استعداد للمواجه ويمتلك جيشاً قادراً على تحمل الصعاب وتحدي جيش الروم وقتالهم على أبواب القدس، تمثلت هذه الرسالة بإرساله جيشاً مكوناً من عدة آلاف، يقطع تلك المسافات الطويلة، ويغزو الروم في عقر دارهم، ولما كانت هذه الغزوة تُمثل إثبات القوة النوعية للمسلمين، لذا فقد اختار(صلى الله عليه وآله) الصحابي جعفر بن أبي طالب(عليه السلام) الطيار ذا الجناحين قائدا لهذه الغزوة، وهو ممن عُرف بالشجاعة والبسالة وممن تربّع بجدارة واستحقاق على عرش البطولة والشهامة، فهو من بيت عُرف بالولاء والمحبة ونصرة الدين، وهو ممن له الخبرة والدراية في التعامل مع الروم، قد اكتسبها عندما أرسله النبي(صلى الله عليه وآله) ممثلا له في الحبشة وقائداً للمهاجرين آنذاك، فقد مارس دوراً مهما آنذاك في استقرار مُلك مَلك الحبشة في صراعه مع الروم.

موقع مؤتة:

تقع مؤتة قرب مدينة الكرَك جنوبي عَمَّان عاصمة الأردن، وتبعد عنها 120 كم وتبعد عن القدس نحو 70 كم، وعن المدينة المنورة أكثر من 1100 كم، وتسمى المزار، لأن فيها مرقد ومزار جعفر بن أبي طالب(عليه السلام) وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة.

قال الحموي: (مؤتة قرية من قرى البلقاء في حدود الشام، بها قبر جعفر بن أبي طالب. بعث النبي(صلى الله عليه وآله) إليها جيشاً في سنة ثمان، فساروا حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل من الروم والعرب بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف، ثم دنا العدو وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة فالتقى الناس عندها، فلقيتهم الروم في جمع عظيم)[1].

سبب الغزوة:

في السنة السادسة للهجرة كان النبي(صلى الله عليه وآله) يرسل الرسل إلى الملوك والقياصرة يدعوهم إلى الإسلام، ومن جملة هؤلاء هرقل الروم، حيث كتب له(صلى الله عليه وآله): (بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، و﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[2])[3].

فكان جواب هرقل جوابا دبلوماسياً -بمصطلح اليوم- غير أن الحارث بن أبي شمر الغساني ملك الشام من قبل هرقل كان جوابه سيئاً، والذي يؤيد أن هرقل كان جوابه سياسياً أنه أقدم على قتل حاكم الأردن عندما أعلن إسلامه دون أن يرسل إليه النبي(صلى الله عليه وآله) رسالة.

يمكرون ولكن...

يظهر من خلال مجريات الأحداث والحروب التي خاضها الروم أنهم يمتلكون خبرة عسكرية، ويشهد لهذا انتصارهم على الإمبراطورية الفارسية آنذاك، وبعد قضائهم على دولة فارس في المنطقة توجهوا لغزو، مدينة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)، وجهزوا جيشاً لهذا الغرض من بلاد الشام، ولعله كان له اتصال بمنافقي قريش واليهود.

جواهر إلهية:

تكلم النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) إلى جيشه بكلمات تعكس الرحمة والرأفة الإلهية، ثم أوصاهم بالوصايا الإلهية، حيث نقل المجلسي في البحار، عن الواقدي: (خرج النبي(صلى الله عليه وآله) مشيعاً لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف ووقفوا حوله فقال: (أغزوا بسم الله، فقاتلوا عدو الله وعدوكم بالشام... ولا تقتلن امرأة ولا صغيراً ضرعاً ولا كبيراً فانياً، ولا تقطعن نخلاً ولا شجراً، ولا تهدمن بناء)[4].

وفي هذا الكلام دلالات واضحة على اهتمام الإسلام بشتى جوانب الحياة، وأنه لا يحمل إلا الرحمة والمحبة للناس، ولا يلجأ إلى الخيار العسكري إلا بعد استنفاد جميع الوسائل السلمية، فهو لا يحارب من منطلق حب التسلط على الآخرين ولا للانتقام وحب سفك الدماء، بل لدفع ظلمهم، وعتوهم عن نفسه، وعن غيره، وأن يفشل مخططاتهم ومؤامراتهم للقضاء على الإسلام، وأن يوفر للإنسان حريته في ممارسة معتقداته، وعدم الخضوع للجبر والإكراه، ثم إنه(صلى الله عليه وآله) أعطى لواءه إلى وريث الشجاعة والبسالة جعفر بن أبي طالب(رضي الله عنه).

جعفر بن أبي طالب (رضي الله عنه):

احتل الصحابي أبو عبد الله جعفر بن أبي طالب مكانة سامية ومؤثرة في تاريخ الإسلام، فقد كان أحد الصحابة الذين لهم الدور الفعّال والمؤثر في الدفاع والجهاد وتشييد الدين الإسلامي، فهو باتفاق المسلمين من أوائل المؤمنين بدعوة النبي(صلى الله عليه وآله)، فقد آمن بالنبي(صلى الله عليه وآله) في أول السنة التي بُعث فيها(صلى الله عليه وآله)،
وكان من المصلين مع النبي(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام) وخديجة(عليها السلام) والناس عاكفون على الأصنام. وكان جعفر(رضي الله عنه) من المقربين للنبي(صلى الله عليه وآله)، وقد هاجر الهجرتين، وقد جعله رسول الله(صلى الله عليه وآله) على المهاجرين إلى الحبشة، وقد أسلم ملك الحبشة على يديه، وكان له الدور الرئيس في نشر الإسلام في ارض الحبشة، ثم عاد منها بأمره(صلى الله عليه وآله) إلى المدينة المنورة، وصادف قدومه فتح خيبر فعانقه(صلى الله عليه وآله) وقال: (ما أدري بأيهما أنا أشد فرحا؟ بقدوم جعفر أم بفتح خيبر)[5]، وقد خصّه النبي(صلى الله عليه وآله) بهدية وهي الصلاة التي تسمى بصلاة جعفر.

استشهاده (رضي الله عنه):

روى العلامة المجلسي في بحاره: (ثم غزا [أي جعفر] غزوة مؤتة في سنة ثمان من الهجرة وقاتل فيها حتى قطعت يداه جميعاً، ثم قُتِل، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء)، فمن هنالك قيل له: جعفر ذو الجناحين)[6].

وعن ابن عمر قال: (وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة، ما بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح، ولما أتى النبي(صلى الله عليه وآله) نعي جعفر أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزّاها في زوجها جعفر، ودخلت فاطمة وهي تبكى وتقول: وا عماه، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (على مثل جعفر فلتبك البواكي)[7].

وروى القاضي النعمان: عن أنس بن مالك قال: (خطبنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعيناه تذرفان، فقال: (أخذ الراية جعفر فقُتل، ثم أخذها زيد بن حارث فقتل، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فقتل)[8].

وفي المحاسن: عن موسى بن جعفر(عليهما السلام) قال: (سألت أبي عن المأتم؟ فقال: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب دخل على أسماء بنت عميس امرأة جعفر، فقال: أين بنى؟ فدعت بهم وهم ثلاثة، عبد الله، وعون، ومحمد، فمسح رسول الله رؤوسهم، فقالت: إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام؟ فتعجب رسول الله(صلى الله عليه وآله) من عقلها فقال: يا أسماء ألم تعلمي أن جعفراً (رضي الله عنه) استشهد، فبكت فقال لها رسول الله(صلى الله عليه وآله): لا تبكى فإن جبرئيل(عليه السلام) أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر، فقالت: يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله، فعجب رسول الله(صلى الله عليه وآله) من عقلها ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ابعثوا إلى أهل جعفر طعاماً، فجرت السنة)[9].

صِل جناح ابن عمك:

عندما كان النبي(صلى الله عليه وآله) يصلي في الكعبة لم يكن معه سوى الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، فلما مرّ أبو طالب(رضي الله عنه) ورآهما التفت إلى ابنه جعفر وأمره بالصلاة معه في وقت لم يدخل في الإسلام بعد مَن أُلصقت له العناوين والأوسمة التي سُرقت من أصحابها الحقيقين، فقد روى الشيخ الصدوق: قال الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام): (أول جماعة كانت، إن رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) معه، إذ مر أبو طالب به وجعفر معه، فقال: يا بني صِل جناح ابن عمك، فلما أحَسّه رسول الله(صلى الله عليه وآله) تقدمهما وانصرف أبو طالب مسروراً وهو يقول:

إن عليـا وجعفـــرا ثقتي                عند ملم الزمان والكرب

والله لا أخـذل النــبي ولا               يخذله من بني ذو حسب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما           أخي لأمي من بينهم وأبي

قال: فكانت أول جماعة جُمعت ذلك اليوم)[10].             

الأمير الأول للمعركة:

ذكرت المصادر التي تدعمها السلطة أن الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) عيّن لقيادة جيش مؤتة زيداً فإن قُتل فجعفر فإن قُتل فعبد الله بن رواحة، أي: جعلوا جعفراً الثاني وزيداً الأول، وفي المقابل نجدهم يرون أن بني عبد المطلب لا يدانيهم أحد في الشجاعة والبطولة، ولم يرو أحد أن النبي(صلى الله عليه وآله) أمّر عليهم غيرهم، وقد أرسل(صلى الله عليه وآله) الإمام علياً(عليه السلام) وحمزة وجعفراً مراراً فلم يولِّ عليهم غيرهم، والملاحظ أن سياسة السلطة قامت على تحريف وإخفاء الحقائق، والتنقيص من مكانة عترة النبي(صلى الله عليه وآله) كما هي عاداتهم، قال صاحب الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله): (إن غالب محدثي أهل السنة قالوا: بأنه(صلى الله عليه وآله) قد أمَّر على السرية زيداً أولاً، ولكن الصحيح هو أن الأمير الأول كان جعفر بن أبي طالب(عليه السلام)، كما ذهب إليه الشيعة)[11].

وقال ابن أبي الحديد المعتزلي: (اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول، وأنكرت الشيعة ذلك، وقالوا: كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول، فإن قتل فزيد بن حارثة، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، ورووا في ذلك روايات، وقد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم)[12].

ثم استشهد بقول حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، بل يمكن أن يستظهر ذلك من قول اليعقوبي، حيث قال: (.. ووجَّه جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة، وعبد الله بن رواحة في جيش إلى الشام، لقتال الروم سنة 8)[13].
ويمكن أن نستند في ذلك إلى عدة أمور:

 1 - الروايات التي أشار إليها ابن أبي الحديد، الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة(عليهم السلام)، وقد قال السيد شرف الدين: (الصواب ما يقوله أصحابنا الإمامية، إن الأول من هؤلاء الأمراء إنما هو جعفر والثاني إنما هو زيد وثالثهم عبد الله بن رواحة، وأخبارنا في هذا متظافرة من طريق العترة الطاهرة)[14].

ومنها رواية أبان عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: (إنه استعمل عليهم جعفراً، فإن قتل فزيد، فإن قتل فابن رواحة)[15].

وما رواه ابن سعد في طبقاته: بإسناده عن أبي عامر، قال: (بعثني النبي إلى الشام، فلما رجعت مررت على أصحابي، وهم يقاتلون المشركين بمؤتة، قلت: والله لا أبرح اليوم حتى أنظر إلى ما يصير إليه أمرهم، فأخذ اللواء جعفر بن أبي طالب، ولبس السلاح (وقال غيره أخذ اللواء زيد بن حارثة)، وكان رأس القوم، ثم حمل جعفر، حتى إذا همَّ أن يخالط العدو، رجع فوحَّش بالسلاح، ثم حمل على العدو، فطاعن حتى قتل، ثم انهزم المسلمون أسوأ هزيمة رأيتها قط حتى لم أر اثنين جميعاً)[16].

سيف الله المسلول علي(عليه السلام) أم غيره؟:

إن المتتبع للتاريخ الإسلامي يستطيع أن يلحظ دون مزيد جهد أن الدفاع عن الإسلام اقترن بشخص الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام)، فما من حدث صغير أو كبير، في بداية البعثة أو بعدها، بل حتى قبل بعثة النبي(صلى الله عليه وآله)، إلا وكان علي(عليه السلام) مع النبي(صلى الله عليه وآله)، لكن مع كل هذا الوضوح نجد أن هناك مَن تعمّد التقليل من هذه الجهود والفضائل، بل أكثر من ذلك فإنهم سرقوها وألصقوها بأُناس بعيدين كل البعد عن هذا العطاء والفضل، وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل تعدى إلى أن تُلصق مناقب وكرامات بطل الإسلام وناصره إلى مَن حارب الإسلام وأمضى حياته في محاربة الدين وأهله، قبل أن يتظاهر بالإسلام وبعده، حيث سفك دماء المؤمنين وسبا النساء المؤمنات وغيرها من الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، حتى وصل الأمر أن النبي(صلى الله عليه وآله) تبرأ من أفعاله ومما صنع.

ومن الأمور التي سرقها رواة السلطة لقب سيف الله، فنجد أن هناك الكثير من النصوص التي تؤكد أن النبي(صلى الله عليه وآله) أطلقه على أمير المؤمنين(عليه السلام)، قال صاحب الصحيح من سيرة النبي(صلى الله عليه وآله): (غير أن الحقيقة هي أن هذا اللقب (سيف الله المسلول) هو من مختصات علي(عليه السلام)، ولكن قد سرق في جملة كثيرة من فضائله، ومناقبه(عليه السلام)، في غارات شعواء من الشانئين والحاقدين والمبطلين، والمزورين للحقائق)[17].

وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (علي سيف الله يسله على الكفار والمنافقين)[18]، وفي الحديث القدسي المروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (وأيّدتك بعلي، وهو سيف الله على أعدائي)[19].

هزيمة أم انتصار:

روى رواة السلطة أن المسلمين في غزوة مؤتة بعد استشهاد القادة الثلاث صمدوا وانتصروا على الروم، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فإن الواقع يُكذّب ذلك، ولعل كيفية استقبال أهل المدينة لهم يرسم الصورة الحقيقية تماماً، قال الصالحي الشامي: (وروى إسحاق عن عروة قال: لما أقبل أصحاب مؤتة تلقّاهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) والمسلمون معه، قال: وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ويقولون: يا فرار فررتم في سبيل الله)[20].

وقال الواقدي: (سمعت ثعلبة بن أبي مالك يقول: انكشف خالد بن الوليد يومئذٍ حتى عيّروا بالفرار وتشاءم الناس به، كما ذكر عن أبي سعيد الخدري قال: أقبل خالد بن الوليد بالناس منهزماً فلما سمع أهل المدينة بجيش مؤتة قادمين تلقّوهم بالجرف فجعل الناس يحثون في وجوههم التراب ويقولون: يا فرار أفررتم في سبيل الله)[21].

وذكر ابن كثير: (قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، أن أم سلمة زوج النبي(صلى الله عليه وآله) قالت لامرأة سلمة بن هشام بن المغيرة: مالي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) ومع المسلمين؟ قالت: ما يستطيع أن يخرج، كلما خرج صاح به الناس: يا فرار فررتم في سبيل الله، حتى قعد في بيته ما يخرج وكان في غزاة مؤتة)[22].

 


[1]     معجم البلدان، الحموي: ج5، ص220.

[2]     سورة آل عمران: آية64.

[3]     السيرة الحلبية، الحلبي: ج3، ص287.

[4]     بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج21، ص60، عن الواقدي، في كتاب المغازي: ج2، ص758.

[5]     راجع وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج5، ص197، وبحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج21، ص276، وذخائر العقبي، الطبري: ص214.والاستيعاب، ابن عبد البر: ج1، ص242.

[6]     بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج22، ص63.

[7]     بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج22، ص63.

[8]     شرح الأخبار، القاضي النعماني: ج3، ص206.

[9]     المحاسن، البرقي: ج2، ص240.

[10]    الأمالي، الشيخ الصدوق: ص597.

[11]    الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)، السيد جعفر مرتضى العاملي: ج19، ص309 .

[12]    شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد: ج15، ص62.

[13]    تاريخ اليعقوبي، اليعقوبي:ج2، ص 65.

[14]    النص والاجتهاد، السيد شرف الدين: ص26.

[15]    راجع مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب: ج1، ص 176، وبحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج21، ص 55 وإعلام الورى بأعلام الهدى، الشيخ الطبرسي: ج1، ص212.

[16]    الطبقات الكبرى، ابن سعد: ج2، ص129.

[17]    الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله)، السيد جعفر مرتضى العاملي: ج20، ص96.

[18]    بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج22، ص197.

[19]    راجع بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج40، ص43، والكافي، الشيخ الكليني: ج8، ص11.

[20]    سبل الهدى والرشاد، الصالحي الشامي: ج6، ص155.

[21]    المغازي، الواقدي: ج2، ص674.

[22]    السيرة النبوية، ابن كثير: ج3، ص470.