الوليدة المباركة

عندما نتأمّل المنزلةَ الرفيعة التي نالتْها بنت أمير المؤمنين زينب (عليها السلام)، نتساءل لِمَ حظيت بهذه المرتبة من العظمة والتقدير؟ وللإجابة عن ذلك نقول: عندما وضعتْ الزهراء (عليها السلام) في الخامس من جمادى الأولى من السنة الخامسة للهجرة، وليدتَها المباركة زينب، استُقبلت بمزيجٍ من الابتهاج والسرور، وأوّل من حملها أبوها أمير المؤمنين (عليه السلام) فأذّن في أذنها اليمنى، وأقام في اليسرى، فكانت أُوْلى الكلمات التامّات التي حفرت في عقلها وقلبها.

ذكر الشهاوي في كتاب الطراز المذهب ص 38 أنّه حينما علم النبي (صلى الله عليه وآله) بهذه المولودةُ المباركةُ غمّ وجهُه وسارع لبيت ابنته ضامّاً الوليدة إلى صدره، مقبّلاً لها باكياً عليها، فتساءلت الزهراء: «ما يبكيك يا أبتي، لا أبكى الله لك عيناً؟..» فأجابها بنبرات وعبرات حزينة: «.. اعلمي أنّ هذه البنت بعدي وبعدك سوف تنصبّ عليها المصائب والرزايا..» قاصداً بذلك يومَ عاشوراء وما بعده،، فخيّمت على الدار غمامة من الحزن والوجوم، فطلب الإمام من النبي أن يسمّيها، فقال(صلى الله عليه وآله): «ما كنت لأسبق ربّي..»، وهبط رسول من السماء قائلاً: «سمّها زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم..»، وكُنيّت بـ«أمّ كلثوم»، وأما ألقابها فعديدة تنمّ عن صفاتها الكريمة، ومراتبها الشريفة منها عقيلة بني هاشم، وعابدة آل علي.

تزوّجت زينب (عليها السلام) من ابن عمّها عبد الله بن جعفر وأنجبتْ منه كوكبة من الأعلام: عون ومحمّد اللذين استُشهدا في يوم عاشوراء، وأمّ كلثوم، والعباس وعلي الزينبي.

مِنْ أبرز فضائلها وكمالاتها الأخلاقية(عليها السلام) زهدُها، فكانت نابذةً لملذّات الحياة ومباهجها، مقتديةً بأمّها وأبيها، فبلَغ من زهدها أنّها ما ادخرت شيئاً من يومها لغدها، حسبما رواه الإمام السجاد(عليه السلام) عنها، وكانت مصاحبتها لأخيها الحسين(عليه السلام) في طف كربلاء تعزيزاً لتلك الشأنية والمنزلة العظيمة لما أبدتْه من مواقف وبطولات جمّة، جاعلةً من المنازلة قراعاً بين الحق كلّه ضدّ الشرك كلّه، وعلْمها اليقيني باستشهاد أخيها، وأسرِها وسبيِها، فأَبتْ إلّا أنْ تكونَ ناصرة للإسلام ومبادئه وقيمِه ولإمام زمانها الحسين الشهيد(عليه السلام).

مجلة ولاء الشباب العدد (24)