الانتظار والأمل

 إنّ الانتظار من العوامل التي تمدّ الإنسان بالحركة، فإنّه يبعث الأمل في نفسه، والأمل يمنح الإنسان القدرة على المقاومة والحركة. إنّ الغريق الذي ينتظر وصول فريق الإنقاذ، يقاوم أضعاف ما يقاوم الغريق الذي يفقد الأمل من الإنقاذ.

وإنَّ الإيمان بـ «وراثة الصَّالحين» للأرض و«إمامة المُستضعفين المؤمنين» وأنَّ «العاقبة للمُتّقين» يمنح الصَّالحين والمُتّقين ثقةً وقوةً، ويثبّت أقدامهم على أرض المعركة، ويمنحهم قدرةً على مواجهة الصعاب، وتحدي الجبابرة والمُستكبرين في أشقَّ الظروف وأقساها، ويَحُول بينهم وبين الانهيار والهزيمة النفسية في ظروف المحنة الصعبة، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ)[1]. ولأهمية هذه الحقيقة، وضرورة تأكيدها وتعميقها في نفوس المؤمنين، وبناء العقلية الإسلامية عليها، يقرّرها الله تعالى في «الذكر» و«الزبور» معاً، ويقرّر الله تعالى إمامة المستضعفين في الأرض وقيمومتهم على مسيرة الحضارة الإنسانية، وهذا إقرار من الله تعالى وإرادة حتمية منه سبحانه، إذا استجاب المستضعفون لما يأمرهم به ويدعوهم إليه، من الإيمان والعمل الصالح، يقول الله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ)[2]. وهاتان الآيتان، وإن كانتا واردتين، في قصة أمر موسى(عليه السلام) وفرعون وهامان، فإنّ الإرادة الإلهيّة لإمامة المُستضعفين المحرومين مُطلقة وغير مقيّدة بشيء إلاّ الاستجابة لما يدعو الله تعالى إليه المؤمنين من الإيمان والعمل الصالح، وهذا الوعد الإلهي بإمامة المستضعفين في الأرض يمنح المؤمنين المستضعفين قوة وثقة وطمأنينة، ومقاومة وصبراً على تحمّل متاعب الساحة والصراع، وثباتاً على الأذى، ويثبّت أقدامهم على أرض المعركة شأنه في ذلك شأن أي إنتظار حقيقي للإنقاذ، يبعث الأمل في نفوس المقاتلين في ساحات القتال وفي وسط المعركة، في مواجهة فرعون وهامان يثبّت رسول الله موسى بن عمران(عليه السلام) قومه من بني إسرائيل في ساحة المواجهة والمعركة، بوعد الله وإنتظار الفرج، وإنتظار المدد من الله تعالى. تأمّلوا في هذه الآيات المباركات:
(قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُواْ بِاللَّهِ وَاصْبِرواْ إِنَّ الاْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ* قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَاجِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الاْرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)[3]. فيحاول نبيّ الله موسى بن عمران(عليه السلام) أن يُشعر بني إسرائيل في ساحة المعركة، وفي ساعة المواجهة بالأمل بالله تعالى، ووعد الله، وانتظار الفرج. ويقرّر لهم هذا القرار الإلهي العظيم: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُواْ بِاللَّهِ وَاصْبِرواْ إِنَّ الاْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). ومن العجيب أن ربط موسى بن عمران(عليه السلام) بين «الصَّبر» و«الانتظار» لوعد الله (اصْبِرواْ إِنَّ الاْرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ..) ويحاول بنو إسرائيل أن يعيدوا نبيّهم(عليهم السلام) من إنتظار المستقبل إلى مرارة الحاضر، فيقولون له: (أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَاجِئْتَنَا...) فيعود موسى بن عمران(عليه السلام) إليهم مرّة ثانية ليعيدهم بالنَّبرة المطمئنة نفسها إلى إنتظار وعد الله والصَّبر على الأذى حتّى يأذن الله بالفرج، وهو قريب: (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى الاْرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). إذن فإنّ الله تعالى يريد لهذه الأُمّة أن يثقّفها على «الوراثة» و«الانتظار»، وراثة الأنبياء والصَّالحين وانتظار وعد الله تعالى بالفرج وإمامة الصَّالحين.

وحركة التوحيد يحفّها من جانب قانون «الوراثة» ومن جانب آخر قانون «الانتظار».

والوراثة والانتظار هما أهمّ أعمدة حركة التوحيد في مسيرها الطويل الشاق. وعلينا أن نُثقّف أنفسنا بهذه الثقافة القرآنية المزدوجة «الوراثة» و «الانتظار».

 


[1]  سورة الأنبياء:آية 105.

[2]  سورة القصص: آية5.

[3]  سورة الأعراف: آية128و129.