التوسل بالأضرحة المشرفة

التقى السيد عليّ البطحائي يوماً بجماعة هيئة الآمرين بالمعروف في المدينة المنورة عند قبور الأئمة (عليهم السلام) في البقيع.

فقال أحدهم للبطحائي: لأيّ علّة تجيئون عند القبور، وتجلسون حولها، وتطلبون الحاجة من أهلها؟

فقال البطحائي له: أخي، إنّا لا نطلب الحاجة من أهل القبور، بل نطلب الحاجة من الله عند قبور أهل البيت(عليهم السلام)؛ لأنهم أقرب الخلق إلى الله تعالى، وعندهم ميراث النبوة، فنجعلهم شفعاء لقضاء حوائجنا.

فقال أحد جماعة الهيئة للبطحائي: طلب الحاجة من جهة جعلهم شفعاء إلى الله لا يجوز أيضاً.

فقال البطحائي: يجوز، لأن كتاب الله تعالى يقول: إن أبناء يعقوب لما ألقوا أخاهم يوسف(عليه السلام) في البئر وفعلوا ما فعلوا وندموا عن فعلهم: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ)[1]؛ وذلك لأن أباهم يعقوب كان مقرّباً عند الله، وما فعل ذنباً قط، ولأنهم كانوا مذنبين جعلوا أباهم شفيعاً لحطِّ ذنوبهم، والله تعالى يقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)[2].

وإن قلت: إن هذا الخصوصية كانت في زمن حياة الرسول(صلى الله عليه وآله) دون زمن الممات.

قلنا: لا فرق بين زمن الحياة والممات بالنسبة إلى كونهم شفعاء الخلائق، بعدما يقول القرآن: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)[3].

عندها سأل آخرٌ البطحائيَّ واسمه الشيخ حسين، وهو أحد أعضاء الهيئة: لأيِّ علّة تقعدون عند المقابر، والقعود عند المقابر حرام؟

فقال البطحائي: أخي، القعود في المسجد الحرام في حجر إسماعيل على رأيكم أيضاً حرام، لأن في حجر إسماعيل مقبرة إسماعيل ومقبرة أم إسماعيل (هاجر)، ومشحون بقبور الأنبياء(عليهم السلام) على ما ذكرتم في مناسككم، وعلّة حرمة الطواف في حجر إسماعيل من جهة أن الطواف يوجب أن توطأ قبور الأنبياء(عليهم السلام)، فعلى رأيكم جميع أرباب المذاهب يفعلون المحرّم؛ لأنهم يقعدون في حجر إسماعيل.

وقد ورد في صحيح البخاري وهو عِدْل القرآن في رأيكم رواية عن أبي عبد الرّحمن عن عليٍّ(عليه السلام) قال: كنا في جنازة في بقيع الفرقد فأتانا النبيُّ(صلى الله عليه وآله)، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ-أَوْ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ- إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةٌ أَوْ سَعِيدَةٌ»[4].

أيقعد النبي(صلى الله عليه وآله) في البقيع، وأنتم تمنعون القعود فيها، فعلى رأيكم رسول الله(صلى الله عليه وآله) فعل محرماً.

فقال آخر من أعضاء الهيئة: لأيّ علة تصلّون عند المقابر، والصلاة عند المقابر حرام؟ ومكتوب على لوحة من حديد في البقيع: إن الصلاة عند المقابر لا تجيزها الشريعة الإسلامية؟

فردّ البطحائي: إذا كانت الصلاة عند المقابر حراماً، فالصلاة في حجر إسماعيل أيضاً حرام، لأن في حجر إسماعيل مقبرة إسماعيل وأمه هاجر، وهو مشحون بقبور الأنبياء(عليهم السلام)، مع أن جميع أرباب المذاهب يصلّون في حجر إسماعيل بل يتبركون بها، تراهم يفعلون حراماً؟!

وفي صحيح البخاري (ج 1، ص 116) من أبواب الدفن والمقابر، أن عمر بن الخطاب رأى أنس بن مالك يصلي عند قبر، فقال عمر: القبر، القبر، ولم يأمره بالإعادة؟ فعلى رأي الخليفة عمر بن الخطاب تكون الصلاة عند المقابر صحيحة، ولكن أنتم تمنعون الصلاة عندها مع أن عمر بن الخطاب لم يقل لـ (أنس) بإعادة الصلاة.

وورد في صحيح البخاري أيضا (ج 2، ص 26) أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) صلّى بالبقيع في يوم عيد الأضحى ركعتين، فقال بعدما صلّى: «إنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ سُنَّتَنَا».

فرسول الله(صلى الله عليه وآله) يصلّي في البقيع، لكن أنتم تمنعون الصلاة وتقولون: إن الصلاة عند المقابر لا تجيزه الشريعة، إن كان المراد بالشريعة الإسلامية الشريعة المحمدية، فصاحب الرسالة هو قد صلّى في البقيع صلاة عيد الأضحى، والبقيع كان مقبرة عند وروده(صلى الله عليه وآله) فيه، ولحد الآن هو مقبرة، فالصلاة في المقابر عند الرسول(صلى الله عليه وآله) ومن يتابعه لا بأس بها، وأنتم تمنعون الصلاة فيها على خلاف رأي الرسول(صلى الله عليه وآله) والصحابة[5].

مجلة اليقين، العدد (60)، الصفحة (8 - 9).

 


[1] يوسف: 97.

[2] النساء: 67.

[3] آل عمران: 169.

[4] صحيح البخاري: ج 2، ص 120.

[5] مناظرات في الحرمين الشريفين للبطحائي: ص 17 - 21، مناظرات في العقائد والأحكام، للشيخ عبد الله الحسن: ج2، ص43.