ربما يشتبه البعض في مفهوم العصمة فيضع لها لوازم بل أوهام وجهالات تضع الغشاوة على الحقيقة منها إن الله تعالى لما عصم الأنبياء ونزههم عن المعاصي، جرت حياتهم وسلوكهم وفق هذه العصمة، وهذا معناه سلب الجانب الإختياري للأنبياء في أفعالهم وتروكهم، ومسلوب الإختيار يسقط عنه استحقاق الثواب والعقاب، بل لا فضل لهم في اجتناب المعاصي وفعل الطاعات.
إن هذه الشبهة كما قلنا مبنية على توهم لوازم العصمة، والجواب إن العصمة لا تصلب الإختيار ولا تأمر بفعل، أو ترك وظيفة أو تكليف، فعندما نقول إن الله عصم الأنبياء والأئمة ع، لا نقصد بذلك نفي استناد الأفعال الاختيارية إليهم.
بل إن كل الظواهر وإن استندت إلى الإرادة التكوينية الإلهية، فهي غير منفصلة عن أسبابها وعللها، لذا فإن الإرادة الإلهية ليست بديلة عن إرادة الإنسان، بل هي في طول إرادة الإنسان لا أنها قائمة مقامها.
أما العصمة فهي كسائر الوسائل والظروف والإمكانات الخاصة التي تتوفر لبعض الأفراد المعينين، وتوفر لهم التوفيق ويقربهم من عمل الطاعات، من باب ملاءمة المسؤولية المناطة بهم وهي أكبر من مسؤوليات غيرهم، فيكون المعصوم لحسن اختياره مستحقاً للثواب، بل يكون ثواب أعماله أكثر من غيره، كما هو حال الذين يتمتعون بنعمة خاصة، كالعلماء والمنتسبين لأهل البيت (عليهم السلام) ﴿يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴾ الأحزاب:32 فأن مسؤوليتهم أثقل وأكثر خطورة من غيرهم، وكما أن الثواب على أعمالهم الخيرة أكثر، فكذلك العقاب على ذنوبهم على تقدير ارتكابها أشد.
المصدر: مجلة اليقين، العدد (18)، الصفحة (10).