1- عَنْ أَبِي عَبْدِ الله(عليه السلام) قَالَ: «لَا يَمُوتُ الإِمَامُ حَتَّى يَعْلَمَ مَنْ يَكُونُ مِنْ بَعْدِه فَيُوصِيَ إِلَيْه»[1].
2- عَنْ بُرَيْدٍ الْعِجْلِيِّ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَماناتِ إِلى أَهْلِها وإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ). قَالَ: «إِيَّانَا عَنَى أَنْ يُؤَدِّيَ الأَوَّلُ إِلَى الإِمَامِ الَّذِي بَعْدَه الْكُتُبَ والْعِلْمَ والسِّلَاحَ: (وإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ). الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)، إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً -أَمَرَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِطَاعَتِنَا- فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعاً فِي أَمْرٍ فَرُدُّوه إِلَى الله وإِلَى الرَّسُولِ وإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ كَذَا نَزَلَتْ وكَيْفَ يَأْمُرُهُمُ الله عَزَّ وجَلَّ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الأَمْرِ ويُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ: (أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)) [2].
الشرح:
قوله (عليه السلام): «الْكُتُبَ والْعِلْمَ والسِّلَاحَ». أُريد بالكتب: الكتاب الذي جمعه علي بن أبي طالب (عليه السلام) والجفر الأبيض الذي فيه زبور داود وتوراة موسى وإنجيل عيسى وصحف إبراهيم ومصحف فاطمة(عليها السلام)الذي كتبه علي(عليه السلام) عند نزول جبرئيل إليها وإخباره بما يكون إلى يوم القيامة، وفيه جميع ما يحتاج إليه الناس، والجامعة وهي صحيفة كتبها علي(عليه السلام) بخطّه من إملاء الرسول(صلى الله عليه وآله).
والجفر: وهو مشتمل على علم النبيين والوصيّين وعلم العلماء الذين مضوا. والصحيفة التي جاء بها جبرئيل الأمين في الوصية من عند ربّ العالمين، وبالعلم: العلم الذي اختص به الإمام وهو العلم بما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة، وبالسلاح سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) مثل المغفر والدرع والراية والقميص والسيف والخاتم وغيرها.
قوله(عليه السلام) قول الله تعالى: (وإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ). الحكم بالعدل هو الإنصاف والتسوية بين الغني والفقير والكبير والصغير والقريب والبعيد والشريف والوضيع وهو يتوقف على الكمال في القوّة العقلية. واتّصافها بغاية العلم ونهاية المعرفة وتميّزها بين الحق والباطل، وعلى الاستقامة في القوة الغضبية، وعدم ميلها إلى جهة الإفراط والتفريط لأن جهة التفريط توجب العجز عن إقامة الحدود وإجراء الأحكام، وجهة الإفراط توجب ارتكاب الظلم والجور. وتلك الاستقامة هي الشجاعة المعدودة من الأخلاق الحسنة التي كانت لجميع الأنبياء والأوصياء وعلى اعتدال القوة الشهوية وتوسطهاً بين الإفراط والتفريط؛ لأن طرف التفريط يوجب العجز عن جلب ما لا بدّ منه، وطرف الإفراط يوجب جلب ما يضرّ ويجب تركه من المشتهيات النفسانية.
فإذا حصلت هذه الأُمور حصلت من مجموعها للنفس ملكة العدل التي بها يجوز الحكم بين الناس بل يجب، وإذا فقد كلّها أو بعضها كان الحاكم من أهل الجور والطغيان وأهل الظلم والعدوان نعوذ بالله من ذلك.
وفي قوله (عليه السلام): «الَّذِي فِي أَيْدِيكُمْ». إشارة إلى أنه مكتوب عندهم في كتاب علي(عليه السلام) أو إلى اتّصافهم بهذه الصفة وعدم حصولها لهم بالتكلّف.
قوله (عليه السلام): «إِيَّانَا عَنَى خَاصَّةً». أي: أراد بأولي الأمر إيّانا خاصة لا إيّانا وغيرنا ولا غيرنا خاصة، وفيه ردّ على من قال: أراد بهم سلاطين الجور، وبطلان هذا القول أظهر من أن يحتاج إلى البيان، وأما من قال: أراد بهم أمراء المسلمين وخلفاءهم وقضاتهم وعلماء الشرع، فإن أراد بهم الأئمّة الطاهرين من آل الرسول فهو حق وإلاّ فهو في ظهور البطلان مثل ما مرّ.
قوله (عليه السلام): «أَمَرَ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِطَاعَتِنَا». يفهم عموم المؤمنين وشمول الأوقات من عدم التقييد ببعض ووقت ولصحة الاستثناء وهو معيار العموم ولأن طاعتهم كطاعة الله وطاعة الرسول فكما أن طاعتهما واجبة إلى يوم القيامة كذلك طاعتهم.
قوله (عليه السلام): «فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعاً فِي أَمْرٍ». في القرآن هكذا «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ»[3]. فالمذكور إمّا تفسير له وبيان لحاصل معناه أو إشعار بوقوع التحريف فيه أيضاً كما يشعر به ظاهر قوله: «كَذَا نَزَلَتْ»، وإنّما قلنا ظاهر قوله لاحتمال أن يكون كذا إشارة إلى قوله: «وإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ».
قوله (عليه السلام): «وكَيْفَ يَأْمُرُهُمُ الله عَزَّ وجَلَّ بِطَاعَةِ وُلَاةِ الأَمْرِ ويُرَخِّصُ فِي مُنَازَعَتِهِمْ». أي: منازعة ولاة الأمر بعضهم بعضاً في أمر من أُمور الدين وغيرها أو في منازعة الناس إيّاهم، وفيه ردّ على من قال: الخطاب في تنازعتم لأُولي الأمر على سبيل الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وعلى من قال: الخطاب لهم وللمؤمنين على سبيل التغليب يعني إن تنازعتم يا ولاة الأمر في شيء أو إن تنازعتم أيّها المؤمنون وولاة الأمر في شيء فردّوه إلى الله وإلى الرسول أي فارجعوا فيه إلى كتاب الله وإلى الرسول بالسؤال عنه في حياته والأخذ من سنّته بعد موته، ووجّه الردّ أمران:
أحدهما: أن قوله تعالى: (وإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) كما أشار إليه (عليه السلام) بقوله: «كَذَا نَزَلَتْ». يدلّ على فساد هذين القولين وهو ظاهر.
وثانيهما: أن العقل يحكم بالضرورة بأنه لا معنى لأن يأمر الله تعالى المؤمنين بطاعة ولاة الأمر ثم يرخّص ولاة الأمر في منازعة بعضهم بعضاً في أُمور الدين، أو يرخّص المؤمنين في منازعة ولاة الأمر فيها، وهذا من أجلى الضروريات لا ينكره إلّا مكابر أو مباهت.
قوله(عليه السلام): «إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ لِلْمَأْمُورِينَ» أي: للمأمورين بطاعة أُولي الأمر وفيه إشارة إلى أن الخطاب في قوله(عليه السلام) عن الله تبارك وتعالى: (إِنْ تَنَازَعْتُمْ). للمؤمنين المأمورين بطاعتهم، وأمرهم بالرجوع إلى ولاة الأمر عند التنازع وقولهم هو الحجة.
مجلة بيوت المتقين العدد (93)