التاريخ الهجري أول تقويم عربي
لم يكن للعرب قبل الإسلام تقويم خاص بهم، وإنما اعتمدوا في تأريخهم للأحداث على وقائع تأريخية مشهورة مثل: بناء الكعبة وحرب الفجار وعام الفيل، وربما أرّخ كل إقليم أو قبيلة بحدث خاص، وحتى فترة قريبة عندما كانت الأمية منتشرة بين الناس كانوا يؤرخون بوقائع مميزة، فيقولون ولد فلان يوم الثلجة الكبرى أو عام الجراد وما شابه ذلك.
بداية التأريخ عند العرب:
بدأ العمل بالتقويم الهجري وسارت العرب عليه على عدة مراحل في تأريخهم للأحداث، فأول من أرخ هم بنو إسماعيل النبي على نبينا وآله و(عليه السلام)، فأرخوا بنار نبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام، ثم أرخوا من بنيان الكعبة المشرفة، ثم أرخوا من موت كعب بن لؤي، ثم أرخوا من حادثة الفيل، ثم اعتُمد التاريخ الهجري بعد هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة المنورة.
ولا يختلف أحد في أن الهجرة النبوية الشريفة كانت في شهر ربيع الأول وقد وصل رسول الله محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) إلى يثرب، حيث إنها سميت بالمدينة المنورة بعد أن دخلها (صلى الله عليه وآله)، ونوّرها بنور وجهه الكريم بعد أن مكث في قباء أياما قليلة بانتظار التحاق الإمام علي (عليه السلام)، والذي تأخر لتأدية بعض الأمانات المودعة عند النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أصحابها من أهل مكة وغيرهم، وأحضر معه ركب الفواطم المهاجرات معه.
وفي كل تلك السنوات التي مضت من تأريخ العرب باختلاف الأحداث التي أرخوا بها كانت بداية السنة عندهم هي من شهر محرم الحرام، وذلك لكونه من الأشهر الحرم الأربعة التي يحرم فيها القتال لدى العرب ويأمن الناس بعضهم البعض، ولكونه الشهر الأول بعد انقضاء موسم الحج وختام مواسم الأسواق عندهم التي تكثر في أيام الحج ورجوع الناس إلى ديارهم.
ويتكون العام الهجري من اثني عشر شهراً قمرياً، ومنذ ذلك الوقت أخذ التقويم القمري شكله وهيئته النهائية ولا تزال إلى يومنا هذا، وعلى أساسه تم ضبط العبادات من زكاة وخمس وصوم وحج.
وقد وضعت أسماء الشهور العربية في مطلع القرن الخامس الميلادي، وأول الشهور العربية محرم وسمي بهذا الاسم لأنه أحد الأشهر الحرم التي حرم القتال فيها.
وثانيها صفر وقيل عن سبب التسمية إن ديار العرب كانت تصفر أي تخلو من أهلها للحرب، وقيل لأن العرب كانت تغير فيه على بلاد يقال لها الصفرية، وقيل: لترك العرب أعداءهم صفرا من الأمتعة وقيل: لاصفرار مكة من أهلها.
ثم ربيع الأول وربيع الآخر: سميا بهذا الاسم في فصل الربيع وظهور العشب.
ثم جمادى الأولى: وكان يسمى قبل الإسلام باسم جمادى خمسة، وسمي جمادى لوقوعه في الشتاء، وجمادى الآخرة وكان يسمى قبل الإسلام باسم جمادى ستة.
ثم رجب وكان العرب في الجاهلية يعظّمون هذا الشهر بترك القتال، ولا يستحلونه فيه، واسمه من رجب الشيء أي هابه وعظمه وقيل: رجب أي توقف عن القتال.
وبعده شعبان وسبب التسمية تشعب القبائل في هذا الشهر وسبب تسميته هو للإغارة بعد قعود العرب عنها في رجب.
ثم يأتي رمضان وكان يسمى قديما ناتق ولما غير الاسم وافق زمن الحر والرمض، والرمضاء هي شدة الحر. ويقال: رمضت الحجارة إذا سخنت بتأثير أشعة الشمس.
ويليه شوال وسبب التسمية أن الإبل كانت تشول بأذنابها أي ترفعها طلبا للإخصاب، وقيل: شوال ارتفاع درجة الحرارة وإدباره.
ثم ذو القعدة، وقيل: إن العرب كانوا يقعدون فيه عن الأسفار، وقيل: قعودهم عن القتال لأنه من الأشهر الحرم.
وآخر شهور السنة الهجرية ذو الحجة وهو شهر الحج، وكان العرب قديما يقيمون فيه حجهم إلى الكعبة.
النبي محمد (صلى الله عليه وآله) هو أول من أرخ بالسنة الهجرية:
يدعي البعص أن التدوين بدء في زمن عمر بن الخطاب كما عن بن كثير نقلا عن الواقدي قال: وفي ربيع الأول من هذه السنة - أعني سنة عشرة أو سبع عشرة أو ثمان عشرة - كتب عمر بن الخطاب التأريخ وهو أول من كتبه، وقيل: إنه أشار علي بن أبي طالب(عليه السلام) وآخرون على عمر أن يؤرخ من هجرة النبي (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث فاستحسن عمر ذلك والصحابة، فأمر عمر: أن يؤرخ من هجرة الرسول (صلى الله عليه وآله) .
وروي عن سعيد بن المسيب، أنه قال: جمع عمر الناس فسألهم: من أي يوم يكتب التاريخ؟ فقال علي بن أبي طالب (عليه السلام): من يوم هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وترك أرض الشرك، ففعله عمر).
ولكن هذا خلاف الكثير من الروايات الدالة على أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أول من بدأ التدوين بالتأريخ الهجري وليس عمر، كما ذكر ذلك بن حجر في فتح الباري، روى الزهري: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قدم المدينة مهاجرا أمر بالتأريخ، فكتب في ربيع الأول) .
ونقل السيوطي عن مجموعة بخط بن القماح ذكر فيها: (أن بن الصلاح قال: ذكر أبو طاهر، محقد بن محمش الزيادي في تاريخ الشروط: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرّخ بالهجرة حين كتب الكتاب لنصارى نجران وأمر عليا (عليه السلام) أن يكتب فيه: أنه كتب لخمس من الهجرة، قال: فالمؤرخ بهذا إذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) . [1]
الشيعة تبدء سنتها بالأحزان واللوعة وتختمها بالأفراح:
تتجدد أحزان الشيعة مع تجدد كل عام فيبدؤون سنتهم الهجرية بحزن وألم بذكرى فاجعة كربلاء الأليمة والتي تجسد بين طيات أحداثها كل معاني التضحيات من أجل الإسلام، من قبل الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه المستشهدين بين يديه.
وتختم - الشيعة - السنة الهجرية في نهاية شهر ذي الحجة بعيد الولاية وتنصيب الإمام والخليفة من بعد النبي (صلى الله عليه وآله) .
كذلك نجد الدعوة الإسلامية تمت وختمت بنفس المناسبة عندما أنزل الله تبارك وتعالى قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [2].(
فالشيعة تعيش كل عام حياة الدعوة الإسلامية منذ بدايتها إلى نهايتها مع النبي الأكرم وآله الكرام (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) وذلك من خلال إحيائها لجميع المناسبات الإسلامية على مر أيام السنة، منذ أيام الحزن والألم العشر الأوائل من محرم الحرام، إلى أن تختم سنتها بسرور وبهجة باحتفالها بمناسبة عيد الغدير الأغر.
وبذلك نكون مصداقا لما ورد عنهم (عليهم السلام) من أن شيعتهم يفرحون لفرحهم ويحزنون لحزنهم ونكون ممن اختارهم الله وخصهم لأن يكونوا من شيعتهم ومحبيهم وذلك بما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما قال: (إن الله تبارك وتعالى أطلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة، ينصروننا ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا أولئك منّا وإلينا) [3]
ونكون ممن حَضي بدعاء الإمام الصادق (عليه السلام)، فإنه رفع يده ودعا لمن أحيا أمر أهل البيت (عليهم السلام) قائلا: (رحم الله من أحيا أمرنا) [4]
وأخيرا نتضرع إلى الله تعالى وندعوه - ونحن بجوار وصي خاتم الأنبياء أمير المؤمنين (عليه السلام) -: اللهم قد أقبل علينا عام جديد نسألك من خيره ونعوذ بك من شره، ونستكفيك فواته وشغله، وفقنا اللهم لما يرضيك جنبنا معاصيك، واجعله عام خير وبركة على جميع بلاد المسلمين، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.