شهادة الإمام الحسن (عليه السلام)

شهادة كريم أهل البيت الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)

ولادته ونسبه (عليه السلام) :

إن الإمام الحسن (عليه السلام) ليس بحاجة إلى تعريف بشرف نسبه وطهارة مولده وسيرته العطرة وشمائله القدسية، فجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمين وحيه، وأبوه سيد الأوصياء وصاحب علم الكتاب، وأمه أم أبيها التي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها، ونجد لذلك أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان مكرما حتى عند غير شيعة أهل البيت (عليهم السلام) .

كانت ولادته المباركة في الخامس عشر من شهر رمضان المعظم سنة ثلاثة للهجرة، وقد نزلت تسميته من عند الله تعالى كما تشير إلى ذلك الروايات.

وقد رويت الكثير من النصوص النبوية الشريفة التي تدل على منزلة الإمام الحسن (عليه السلام) الرفيعة وعظم شأنه، قال (صلى الله عليه وآله) : (... فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن، ونور الحسن من نور الله، والحسن أفضل من الشمس والقمر)[1]

وروي عن أنس بن مالك قال: سُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي أهل بيتك أحب إليك، قال: (الحسن والحسين) [2].

وعن سعيد بن زيد بن نفيل أن النبي (صلى الله عليه وآله) احتضن حسنا فقال: (اللهم إني قد أحببته فأحبه) [3].

وقد كان الإمام الحسن (عليه السلام) يحمل الكثير من الصفات الروحية والجسدية التي تربطه بجده الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فقد روي عن صفوان بن سليمان أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (أما الحسن فأنحله الهيبة والحلم، وأما الحسين فأنحله الجود والرحمة)[4].

سيرته (عليه السلام) :

ضرب الإمام الحسن (عليه السلام) المثل الأسمى في تجسيد المظاهر الأخلاقية للشريعة الإسلامية بأبهى صورها، بحيث صار القدوة الأصيلة التي يقتفي السالكون إلى الله أثرها ويتبعون سمتها وهديها.

روي أنّه (عليه السلام) حج خمسا وعشرين حجة ماشيا وإن النجائب لتقاد معه، ولقد قاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات حتى كان يعطي الخف ويمسك النعل، وروي أنه (عليه السلام) مرّ على فقراء قد وضعوا على وجه الأرض كسيرات من الخبز وهم يأكلون منها فدعوه إلى مشاركتهم فأجابهم إلى ذلك وهو يقول: (إن الله لا يحب المتكبرين) ولما فرغوا من الطعام دعاهم إلى ضيافته فأطعمهم وكساهم.

وقد ضرب لنا الإمام الحسن (عليه السلام) أمثالا في الكرم والجود يحتذى بها، فقد روي ان الإمام الحسن (عليه السلام) سمع رجلا يسأل ربه أن يرزقه عشرة آلاف درهم فانصرف (عليه السلام) إلى منزله وبعث بها إليه[5].

وجاءه اعرابي وقبل أن يسأل حاجته قال (عليه السلام) : (أعطوه ما في الخزانة!. فوجد فيها عشرون الف درهم فدفعت اليه، فقال الاعرابي: يا مولاي، ألا تركتني أبوح بحاجتي، وانشر مدحتي؟ فأنشأ الإمام (عليه السلام) يقول[6]:

نحن أناس نوالنــــا خضل

*

يرتع فيــــه الرجــــاء والأمــل

تجود قبل السؤال أنفسنـا

*

خوفا على ماء وجه من يسل

لو علم البحر فضل نائلنا

*

لغاض من بعد فيضـــه خجل

 

 


 

 

 

 

 

ومما يروى في كرمه وسخائه الذي اشتهر به أن أعرابيا جاءه برقعة لحاجة قد كتب عليها:

لم يبق عندي ما يباع بــــــدرهم

*

 تكفيك رؤية منظري عن مخبري

إلا بقايا مـــــــاء وجــــه صنته

*

أفلا أبيــــع وقــــد وجدتك مشتري

 

فأعطاه (عليه السلام) مالا جزيلا وأجابه:

عاجلتنـا فـأتاك وابل برنــا

*

طلا ولو أمهلتنــــا لم نقصـــر

فخذ القليل وكن كــــأنك لـم

*

 تبع ماصنته وكأننا لم نشتر

 

وقيل له يوما: لأي شيء نراك لا ترد سائلاً وان كنت على فاقة؟ فقال (عليه السلام): (إني لله سائل وفيه راغب وأنا استحي أن أكون سائلا وارد سائلا، وإن الله عودني عادة، أن يفيض نِعَمَهُ عليّ وعودته أن أفيض نعمه على الناس فأخشى إن قطعت العادة أن يمنعني العادة وأنشد يقول:

إذا مـا أتــاني سائل قلت مرحبـا

*

بمن فضله فرض علـي معجل

ومن فضله فضل على كل فاضل

*

 وأفضل أيام الفتى حين يسأل

 

صلح الإمام الحسن (عليه السلام) :

يُعدُّ عصر الإمام الحسن (عليه السلام) من العصور التاريخية المهمة التي تميزت بكونها فصلا من الفصول التغييرية في حركة الأمة الإسلامية، ولا بد من أن ننظر بدقة إلى هذا الفصل باعتباره يحمل أحداثا ووقائع حية تتكرر أمثالها بصورة أو بأخرى في الكثير من العصور والأزمنة.

إن التاريخ الإسلامي يذكر بأن الأمة في أواخر خلافة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قد بدأت تتوالى عليها الانتكاسات الداخلية الواحدة تلو الأخرى، وقد رويت عدة من الخطب الشريفة للإمام علي (عليه السلام) يشكو فيها تلك الحالة بشكل واضح وجلي، فإذا ما فهمنا ذلك جيدا نعلم الظروف النفسية والاجتماعية للأمة التي استلم الإمام الحسن (عليه السلام) زمام قيادتها، وبالتالي فإن كل محاولات استنهاض أصحابه وتحريضهم على مقارعة معاوية بن أبي سفيان قد باءت بالفشل وخلّفت ردود أفعال مضادة نالت حتى شخص الإمام الحسن (عليه السلام) بالأذى، وقد بلغ الأمر إلى حد أن حاولت جماعات من الذين ينضوون تحت حكومة الإمام (عليه السلام) قتله، مضافا إلى التحاق قواد جيوش الإمام (عليه السلام) البارزين وجماعات من جنده بمعاوية تحت ضغط الإغراء بالمال والجاه.

ونظرة مبصرة إلى الخطبة التي رويت عن الإمام الحسن (عليه السلام) - والتي فصل من خلالها ملابسات الأمور التي كانت تحتدم آنذاك في جسم الأمة الإسلامية - يتبين لنا بوضوح واقع الحال الذي ذكرناه آنفا، قال (عليه السلام) : (أما والله ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر، فشيب السلامة بالعداوة، والصبر بالجزع، وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم، وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم وكنا لكم وكنتم لنا، وقد صرتم اليوم علينا، ثم أصبحتم تعدون قتيلين: قتيلا بصفين تبكون عليهم، وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأره، فأما الباكي فخاذل، وأما الطالب فثائر، وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نَصَفة، فان أردتم الحياة قبلناه منه، وأغضضنا على القذى، وإن أردتم الموت، بذلناه في ذات الله، وحاكمناه إلى الله فنادى القوم بأجمعهم بل البقية والحياة) [7].

في ظل تلك الظروف المعقّدة، وجد الإمام الحسن (عليه السلام) بنافذ بصيرته ومكنون حكمته أن البقاء على ذلك المنوال سيعرّض الأمة المسلمة أما إلى الاندماج في مذهب أهل الشام أو إلى الإبادة بسيوفهم، فآثر إقامة الصلح مع معاوية لتبقى الأمة - التي اتبعت أمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل- محفوظة الكيان محتفظة بالبقية الباقية من ارتباطها بالإسلام الأصيل، على الرغم من أنه يعلم بالأذى الكبير الذي سيناله بسبب هذا العمل.

لقد نفّذ السبط الأول لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أروع المشاريع الإسلامية التي ترسم جانبا مهما من سياسة أهل البيت (عليهم السلام)  العامة التي تقوم على الموازنة الحقيقية بين المصالح والمفاسد وتقديم الأهم على المهم، لذلك لا بد أن ننظر بشكل دقيق إليها لننهل من سيرته (عليه السلام) المنهج الحكيم الذي اتبعه هذا الإمام الهمام الذي عانى الأمرين في سبيل تطبيق ذلك الهدف السامي، وتعرض للأذى حتى من قبل بعض أتباعه الذين لم يفهموا علم الإمام ومقصده، على الرغم من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد فتح للناس منذ عهده الكريم باب الغيب على صلح الإمام الحسن (عليه السلام) وثورة الإمام الحسين (عليه السلام) لكي يتبع الناس النهج السليم وليدوروا مع أهل البيت (عليهم السلام)  حيثما داروا، قال (صلى الله عليه وآله) : (هذان إبناي إمامان قاما أو قعدا) [8].

شهادته (عليه السلام) :

لقد علم معاوية بن أبي سفيان على أن الصلح الذي أقامه الإمام الحسن (عليه السلام) لم يكن في صالح طغيانه وجبروته ودوام ملكه، حيث وجد أن الأمة قد أخذت تقف على مواطن الصواب بعد انكشاف رياح الفتنة وزوال زبرج المظاهر، وكان الإمام الحسن (عليه السلام) يبصر الناس ويهديهم في كل ذلك، فأراد أن يكتم تلك الأنفاس المقدسة ويطمس ذلك النور الطاهر- ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون- وصار يتحين الفرص لقتل الإمام (عليه السلام)، فأرسل إلى زوجة الإمام «جعدة بنت الأشعث» ووعدها ومنّاها إن هي قتلت الحسن (عليه السلام) بالسم زوّجها من يزيد، فاستجابت الملعونة لدعوة الشيطان وطمعت بالجاه والسلطان، فكانت تتربص بريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله) الفرصة حتى قدمت له في ليلة شديدة الحر- وكان صائما - طعاما فيه لبن ممزوج بعسل مسموم، فلما تناوله أحس بالسم، فالتفت إليها وقال: (يا عدوة الله قتلتيني قتلك الله، والله لا تصيبين مني خلفا، ولقد غرك وسخر منك، والله يخزيك ويخزيه)[9] .

وروي أنه (عليه السلام) بقي ينازع الألم أربعين يوما حتى استشهد في السابع من شهر صفر سنة 50 هـ، فمضى لربه مظلوماً مهضوماً قد أنجز ما أمره به ربه ووفّى بما عاهد عليه الله ورسوله، قال تعالى: (وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [10] . فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

 

لتحميل الملف اضغط هنا


[1] بحار الأنوار: ج15، ص11.

[2] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص153.

[3] المعجم الكبير: ج1، ص152.

[4]  الخصال: ص78.

[5] ذخائر العقبى: ص137. فضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج3، ص252.

[6] مناقب آل أبي طالب: ج3، ص182.

[7] أعلام الدين للديلمي: ص292.

[8] عوالي اللئالي: ج3، ص129.

[9] الخرائج والجرائح للراوندي: ج1، ص242.

[10] سورة الفتح: آية10.