بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الخلق وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين.
لم تكن الزهراء(عليها السلام) بالشخصية العادية في عالمي الرجال والنساء معاً، بل كانت(عليها السلام) تتمتع بأوصاف ومؤهلات لم تحظَ بها شخصية أخرى، سوى بعض من اختصهم الله بخاصته كرسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(عليه السلام)، والسبب في ذلك هو المقامات الرفيعة التي أعطيت لسيدتنا الزهراء(عليها السلام) من قبل الله تعالى، والتي أُفرغت على لسان نبينا الخاتم(صلى الله عليه وآله)، هذه المقامات التي قلما تجدها أعطيت لواحد من النبيين فضلاً عن عامة الناس، ولعل سؤالاً يخطر في الذهن: لماذا تلك المقامات للزهراء(عليها السلام)؟ بل لماذا تلك المقامات للمعصومين(عليهم السلام) دون غيرهم؟
وفي الجواب نقول: إن المهمة التي اضطلع بها المعصومون(عليهم السلام) -بما فيهم مولاتنا الصدّيقة الزهراء(عليها السلام)- هي تبليغ الرسالة واستمرارها، والحفاظ عليها بعد رحيل الخاتم(صلى الله عليه وآله) عن عالم الدنيا، وهي مهمة صعبة للغاية، تتطلب أن يكون حَمَلَتُها من الذين عندهم مؤهلات لا توجد عند غيرهم - ولو كانوا أنبياءً -، وإحدى تلك المؤهلات الكبيرة هي عصمتهم من ارتكاب المحرمات والمنفّرات، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)[1]، ومن المعلوم الأكيد -لدى الفريقين- أن الزهراء(عليها السلام) داخلة في أفراد هذه الآية المباركة، وهم أصحاب الكساء الخمسة(عليهم السلام)، إضافةً إلى قول رسول الله(صلى الله عليه وآله) لابنته فاطمة(عليها السلام): «إنَّ اللهَ يَغْضَبُ لِغَضَبِهَا وَيَرْضَى لِرضَاهَا»[2]، فالذي يرضى الله لرضاه، ويغضب لغضبه فهو معصوم بالدلالة الالتزامية، فالزهراء(عليها السلام) كانت طاهرة معصومة بالعصمة الكبرى، وهي مؤهلة لحمل رسالة أبيها والدفاع عنها، وهذا ما يبدو جلياً في دفاعها المستميت عن تراث أبيها وحياض الإمامة، حينما باشرت السقيفة بحرف مسار الخلافة الحقيقية عن أهلها منذ أن أغمض رسول الله(صلى الله عليه وآله) عينيه، فأعلنت الزهراء(عليها السلام) المعارضة الصريحة للخلافة المزعومة، وناهضت سياستها وأَفعالها، وجاهرت بحقِّها وحقِّ أميرِ المؤمنين(عليه السلام) بالخلافةِ والإمامةِ، وهكذا بقيت تلك المعارضة قائمة لغاصبي آل محمد(عليهم السلام) حقهم، وهي تقول عن لسان أبيها(صلى الله عليه وآله): «رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، ... فإنّي أشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني، وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبيَّ لأشكونّكما إليه»[3]، وقال عزَّ من قائل: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِيناً)[4].
مجلة اليقين العدد (35)