الإنسان سيد مصيره لأنه سيد إرادته

الإرادة هي القدرة، بمعنى أن من أراد قدر على ما أراد، والإرادة هي الفعل، فمن أراد فعل ما أراد، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): (ما ضعف بدن عما قويت عليه النية)[1]، والإرادة هي قلب الحياة، وحياة القلب، فإذا وجدت الإرادة، وجدت الآلية لتنفيذها أيضاً، فمع الإرادة والصبر لا يصعب شيء، وبدونها لا يتحقق حتى الشيء السهل.

إن ما يحدد مدى نجاح الأفراد ليس كثرة الإمكانات لديهم، بل قوة الإرادة فيهم، فكم من أشخاص تهيأت لهم كافة وسائل النجاح فخسروها لضعف إرادتهم؟ وكم من أشخاص عاشوا ظروفا صعبة من الفقر والعوز، فصنعوا مجدهم بقوة إرادتهم؟

إن الإنسان سيد مصيره لأنه سيد إرادته، بخلاف باقي الموجودات، وإنما الإنسان يمتاز بأنه ذاتي التوجيه، حيث إن باستطاعته أن يوجه دفة حياته، وأن يخطط لمستقبله، وأن يعدّل في خططه حسبما يتبدل له من ظروف جديدة في سياق عمله، لأن الإرادة من أسباب امتياز الإنسان، فإن الناس يولدون متساوين فيها، غير أن الذي يجعل بعضهم أقوياء في الإرادة وآخرين ضعفاء فيها إنما يرتبط بما يلقاه البعض من خبرات، وما يخوضونه من تجارب، فيصير أحدهم قويَ الإرادة، والأخر ضعيفا.

فأنت تمتلك حينما تولد، كمّا أولياً من الإرادة، كما تمتلك كمّا أولياً من العقل والعاطفة والضمير وغيرها، فإذا حصلت على إرادة سليمة، واعتنيت بتنميتها ستصبح بعد فترة قوياً في إرادتك، أما إذا أهملتها فسوف تخور وتضعف.

إننا نستخدم الإرادة عشرات المرات في اليوم الواحد، فنختار هذا ونرفض ذاك، ونقرر هذا بدلاً من ذاك، وهكذا فليست الإرادة أمراً عزيزاً ونادراً في حياتنا العادية، غير أن استخدام الإرادة في قضايا عادية شيء، واستخدامها لتحقيق أهداف كبيرة شيء أخر.

والذي نقصده من الإرادة القوية، ليس أن نحشّد قوى الإرادة في المسائل التافهة، والبسيطة، مثل الاختيار بين قهوة الصباح والشاي، أو بين الذهاب إلى هذا المطعم وذاك، بل المقصود أن نوجّه الإرادة توجيهاً يؤدي إلى تحقيق الآمال، وإنجاز الأعمال، الأمر الذي يتطلب السيطرة على الذات وتوجيه نشاطاتها إلى الأهداف المحددة..

وتلك هي "العزيمة" التي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى الله إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[2]، وبقوله: (... وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) سورة آل عمران: آية186، وهي ذاتها التي ضعفت عند أبينا آدم (عليه السلام) فأكل من الشجرة المحرمة عليه، فقال عنها الله عز وجل: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)[3]

وهكذا فإن الإرادة هي إمضاء العزم، وقوة الشكيمة والاعتداد بالنفس والسيطرة على الشهوات والانفعالات والتحكم فيها عن وعي وتفكير، وهي أمور يمكن لأي فرد أن يحصل عليها، فهي في متناول الجميع كما أن عكسها أيضاً في متناول الجميع، فطريق العزيمة مفتوح كما هو طريق الوهن والضعف والتراجع، غير أن البعض يسلك هذا الطريق، والبعض الأخر يسلك الطريق الآخر..

إن الإرادة، تتحكم في كل شيء، بما فيها نفسها، فأنت تستطيع أن تقوي إرادتك بالإرادة نفسها، وليس بشيء أخر..

ولذلك فإن كسب الانتصار بالإرادة.. وإحراز النجاح بالإرادة.. والحصول على الدنيا بالإرادة.. واكتساب الآخرة بالإرادة..، يقول الله عز وجـل: (.. وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا..)[4]، ويقول الله تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً)[5].

ولا شك في أن الإرادة ليست مجرد الميل، أو التمني، بل هو القصد الممتزج بجهدين: داخلي، وخارجي، فكل شخص يملك القدرة على التحكم في الإرادة من خلال تحريكها بالاتجاه الذي يحكم به العقل.

 


[1] الوسائل، ج1، ص53.

[2] سورة آل عمران: آية 159.

[3] سورة طه: آية 115.

[4] سورة آل عمران: آية 145.

[5] سورة الإسراء: آية 19.