ترك سوء الظن

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ.... الآية)[1].

المراد من ـ كثيراً من الظن ـ الظنون السيئة التي تغلب على الظنون الحسنة بين الناس لذلك عبر عنها ب‍ (الكثير) وإلا فإن حسن الظن لا أنه غير ممنوع فحسب، بل هو مستحسن كما يقول القرآن في الآية (12) من سورة النور: (لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً).

ومما يلفت النظر أنه قد نُهي عن كثير من الظنّ، إلا أنه في مقام التعليل تقول الآية: إن بعض الظن إثم ولعل هذا الاختلاف في التعبير ناشئ من أن الظنون السيئة بعضها مطابق للواقع وبعضها مخالف له، فما خالف الواقع فهو إثم لا محالة، ولذلك قالت الآية: إن بعض الظن إثم، وعلى هذا فيكفي هذا البعض من الظنون الذي يكون إثما أن نتجنب سائر الظنون لئلا نقع في الإثم!

وهنا ينقدح هذا السؤال: وهو أن الظن السيء أو الظن الحسن ليسا اختياريين (غالبا) وإنما يكون كل منهما على أثر سلسلة من المقدمات الخارجة عن اختيار الإنسان والتي تنعكس في ذهنه، فكيف يصح النهي عن ذلك؟!

وفي مقام الجواب يمكن القول بأنه:

1 - المراد من هذا النهي هو النهي عن ترتيب الآثار، أي متى ما خطر الظن السيء في الذهن عن المسلم فلا ينبغي الاعتناء به عمليا، ولا ينبغي تبديل أسلوب التعامل معه ولا تغيير الروابط مع ذلك الطرف، فعلى هذا الأساس فإن الإثم هو إعطاء الأثر وترتبه عليه.

ولذلك نقرأ في هذا الصدد حديثا عن نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) يقول فيه: (ثلاث في المؤمن لا يستحسن، وله منهن مخرج فمخرجه من سوء الظن ألا يحققه)[2].

2 - يستطيع الإنسان أن يبعد عن نفسه سوء الظن بالتفكير في المسائل المختلفة، بأن يفكّر في طرق الحمل على الصحة، وأن يجسّد في ذهنه الاحتمالات الصحيحة الموجودة في ذلك العمل، وهكذا يتغلب تدريجا على سوء الظن! فبناء على هذا ليس سوء الظن شيئا يخرج عن اختيار الإنسان دائما!

لذلك فقد ورد في الروايات أنه: (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقلبك منه، ولا تظننَّ بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا)[3].

وعلى كل حال فإن هذا الأمر واحد من أكثر الأوامر والتعليمات جامعية ودقة في مجال روابط الإنسان الاجتماعية التي تضمن الأمن في المجتمع بشكل كامل![4]

علاج سوء الظن:

يمكن الاستعانة بالنصائح الآتية في علاج هذا الوسواس:

1. الإقبال على عيوب النفس، والاشتغال بتقويمها وإصلاحها، فإن من عرف عيوب نفسه تواضع لله وللناس، وظن النقص بنفسه وليس بالناس.

2. استحضار الآيات والأحاديث التي تُبيّن خطورة هذا الأمر والعقاب الشديد عليه.

3. النظر في جوانب الخير في الناس كلهم، فالغالب أن الإنسان فيه من الخير كما فيه من السوء والشر، فلا يجوز إلغاء الحسنات التي قد تكون أكثر وأعظم من السيئات التي في ذلك الشخص، وقد أمر الله تعالى بالعدل والقسط، فمن الظلم الحكم على الشخص من غير موازنة عادلة بين حسناته وسيئاته.

 فإن الشيطان قد يقرب إلى القلب بأدنى خيال مساوئ الناس، ويُلقي إليه: أن هذا من فطنتك وذكائك وسرعة تنبّهك، وإن المؤمن ينظر بنور الله، وإنما هو على التحقيق ناطق بغرور الشيطان وظلمته، ومهما خطر لك سوء في مسلم، فزد في مراعاته وإكرامه، فإن ذلك يغيظ الشيطان ويدفعه عنك فلا يلقي إليك مثله.

7- عدم مصاحبة من ابتلي بإساءة الظن، لأن الطبع سرّاق -كما قيل -.

مجلة بيوت المتقين العدد (45)

 


[1] الحجرات: 12.

[2] المحجة البيضاء، ج 5، ص 269.

[3] أصول الكافي، ج2، باب التهمة وسوء الظن، الحديث 3.

[4] الأمثل: ج16، ص548-550.