الإباضية

اختلفَ المسلمون في نسبةِ الإِباضية إِلى الخوارج، فأَكثر المذاهب -إِن لم نقل كلَّها- ينسبونهم إِلى الخوارج، إِلا إِنَّ بعضهم خفف اللهجة بقوله: إِنهم ليسوا من غلاة الخوارج، وأَما بالنسبة لهم، فهم يُنكرون تلك النسبة تماماً.

يبلغ تعداد الإِباضيين في العالم (7) ملايين نسمة تقريباً، يتركّزُ وجودهم في سلطنة عُمان، إِذ يُشكّلون الأَغلبية السُّكانية في البلاد بنسبة (70-75) % من تعداد سكان السلطنة، بينما يتوزّع الباقون في دول كليبيا في جبل نفوسة وفي زوارة، وكذلك يتواجدون في وادي مزاب في الجزائر، وجربة في تونس، وبعض المناطق في شمال أَفريقيا وزنجبار في تنزانيا.

المُؤسِّسُ والإِنْتِسَابُ:

وتُنسَب الإِباضية إِلى المؤسس الأَوّل لها، وهو عبد الله بن إِباض التَّميمي، من بني مُرّة بنِ عُبيد بن تميم، وهو ممن عَاصَرَ مُعاويةَ، وتوّفي في أَواخرِ أَيّامِ عبدِ الملك بن مروان، ويرجع تسميتهم بهذا الاسم إِلى (إِباض) وهي قرية (العارض) باليمامة.

ويرى الإِباضيون أَن سبب تسمية الإِباضية بهذا الاسم نسبة إِلى (عبد الله بن إِباض)، وأَمّا بالنسبة للمذهب الإِباضي فهو ينتسب حقيقةً إِلى (جابر بن زيد الأَزدي)، والذي كان من أتباع عائشة وابن عباس.

ولذا تجد أَن في تأريخهم المبكر لم يستعملوا هذه التسمية، وإِنما كانوا يستعملون عبارة (جماعة المسلمين)، أَو (أَهل الدَّعوة)، لكنَّ التسمية ظهرت في أَواخر القرن الثالث الهجري، ثم تقبّلوها تسليماً بالأَمر الواقع.

ويطلق عليهم أَيضاً: (الوهبية) نسبة إِلى (عبد الله بن وهب الراسبي) قائد الحرورية في معركة النهروان، وكذلك يطلق عليهم: (القَعَدة) لقعودهم عن استعراض المسلمين بالسيف كما فعلت الخوارج من الصفرية والأزارقة.

عَقَائِدُ الإِباضيّةِ:

يقول آية الله الشيخ جعفر السبحاني -بشيء من التصرُّف: إِنّ الإِباضية تشترك مع سائر فرق الخوارج في أَمرين بلاشكٍّ ولا شُبهة، ولا يمكن لأَحد منهم انكاره:

۱ ـ تخطئة التحكيم: وعلى هذا الأَصل فهم يوالون المحكِّمة الأُولى كـ(عبدالله بن وهب الراسبي) و(حرقوص بن زهير السعدي).

۲ ـ عدم اشتراط القرشية في الإِمام: ولأَجل هذا الأَصل اعترفوا بإِمامة (عبدالله بن وهب الراسبي) ومن جاء بعده من المحكِّمة. بحوث في الملل والنحل: ج٥، ص۲٤۷ ـ ۲۷۸.

ثمّ إِنّ لهم أُصولاً عقديةً خاصّة يتميّزون بها عن غيرهم، وأُخرى يشتركون بها، منها:

1- صِفاتُ اللهِ ذاتيةٌ: أَي: ليست صفاته تعالى قائمة بذاتها، ولا منفكّة عن الذات فليس لها كينونة مستقلّة عن الذات، وبهذا يلتقي الإِباضية والماتريدية في هذه المسألة، خلافاً للأَشاعرة القائلين بأَن الصفات غير الذات.

2- امتناعُ رؤيةِ اللهِ سُبحانهُ في الآخِرةِ: وهذا الأَصل العقدي من الأَصول اللامعة في عقائدهم، لأَن الثابت بالعقل والنقل هو استحالة رؤية الله تعالى، (لا تُدْرِكَهُ الأَبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الأبْصارَ وهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ)[1].

3- القرآنُ حادثٌ غيرُ قديمٍ: هكذا يَنسبُ إِليهم مَنْ كَتبَ عنهم، لكن الشيخ السبحاني -في نفس المصدر أَعلاه- شكّك في نسبة ذلك لهم، إِذ قال: (غير أَنّ الظاهر من بعض كتّابهم أَنّهم يتحرّجون من التصريح بخلق القرآن، وإِن كانوا بعداء عن القول بكونهِ قديماً غير مخلوق).

4- تفسيرهم للشفاعة بكونها (الدخول إِلى الجنة بسرعة): فليس معنى الشفاعة عندهم هي غفران الذنوب بتوسّط الشفيع، وإِنما هي دخول المؤمنين -بسببِ أَعمالِهم- إِلى الجنة بسرعة.

5- مرتكبوا الكبائِر كُفّارُ نِعمةٍ لا مِلّة: أَي: أَنَّ المسلمَ الفاسقَ كافرٌ عندهم، لكن ليس بكفر مِلة وخروج منها، بل هو كفر نعمة، فهو مسلمٌ إذاً، لكنه جاحدٌ وكافر بأَنعم الله وآلائه، بخلاف بعض فرق الخوارج الذين أَخرجوا مرتكبَ الكبيرة من الإِسلام.

وأَما عباداتهم ومعاملاتهم فهم كالفرق والمذاهب الأُخرى، يشتركون في البعض ويختلفون في البعض الآخر، وهذا شيءٌ طبيعي بالنسبة للخلافات الفقهية الفروعية، فهم -على سبيل المثال- لا يرون رفع اليدين أَثناء تكبيرة الإِحرام، ويفتتحون الفاتحة بالبسملة، ولا يضعون إِحدى اليدين على الأُخرى في الصلاة (الذي يصطلح عليه فقهياً بالتكفير)، ولا يقولون آمين بعد الفاتحة، ولا يُحرّكون إِصبع السبابة في التشهد كما تفعله المذاهب الأُخرى.

 

المصدر: مجلة اليقين العدد (28)


[1] سورة الأَنعام: 103.