(فَزَادَهُمْ إِيمَانًا)
من منا لم يبتلَ بموقف سيء من قبل الآخرين؟
من منا ليس له من لا يحبّه ولا يتمنى له الخير؟
من منا لم يكن يوماً في حال قد تجاوز عليه الآخرون؟
يريدك الناس - كل الناس الصالح والطالح - أن تكون واحدا منهم، فالمجتمع عموماً لا يريدك أن تخرج بعيداً خارج إطاره سلوكاً وعملاً ورأيا وفكراً، فمن يحاول الخروج عن الإطار العام للمجتمع يستوقفه المجتمع بما يتاح له من وسائل ليرجعه إلى الحال المألوف، حتى لو كان ذلك المألوف خطأً أو مخالفاً لقيمة أو مبدأ صحيح، وهنا يقع الابتلاء والاختبار الصعب، فقد يشتمك الناس، ويتقوّلون عليك، ويتهمونك، ويشكّكون في أعمالك، ويفسّرونها كيف شاؤوا.
ولو اخترت الصمت والصبر كأفضل دفاع عقلائي آمن الأخطار، فإن المجتمع أيضاً لن يتركك تمارس الصمت وتنتصر عليه، بل يحرّك أصحابك ومحبيك ليشوّشوا أفكارك، ويشكّكوك في صمتك، لماذا تسكت؟ لماذا لا تدافع؟ لماذا لا تعامل الآخرين بالمثل؟ هل أنت جبان؟ هل أنت ضعيف؟
هكذا تنهمر عليك الأسئلة وتتدافع نحوك الضغوط، والهدف واحد هو أن تكون مثلهم.
ربما يعيش الإنسان في مجتمع من هذا النوع، فيه الكثير يعملون ويصرفون من وقتهم، وينفقون من جهدهم، ويقدّمون هموم الناس على راحتهم، لكن هناك ألسن وأقلام لا يسلمون منها، وهناك صراعات، تستفرغ انفعالاتها بهذا السلوك، كما أن هناك أمراض اجتماعية.
بني:
إذا طفح الكيل، وتراكمت عليك الضغوط، وتأذيت من الهجمات الموجهة إليك، فلا تمارس أساليب لا يقبلها الدين والضمير، لأنك عندما تفعل ذلك تزجُّ نفسك في معارك خاسرة.
وكما قلت لك، يريد الآخرون أن تكون مثلهم أحياناً، ليعلقوا عليك أخطاءهم وسلوكهم، فاحذر أن تزيل المائز بينك وبينهم، لأنك ستصبح حينها جزءاً من التخلّف والمرض الذي يأكل ضـمائـرهـم.
ربما بعض الناس يرون أن الطريقة المثلى لكل سلوك هي الرد بالمثل، أن تشتم من شتم، وتفتري على من افترى، لكن هذا معناه أنك أصبحت واحداً منهم.
نحن حينما نقابل الخطأ والانحراف بالمِـثْل فسوف نثبّت السلوك السيء في المجتمع، وسنخسر المثل والقيم والمبادئ الصالحة، تلك التي تعلمناها من ديننا القويم، فهو ما يرشدنا إلى طريقة التعامل المثلى.
قد كانت قريش تُسمّي الرسول (صلى الله عليه وآله) مجنوناً وساحراً، وينالون منه شتماً وسباً وانتهاكاً لكرامته وإنسانيته، لكنه لم يرد بالمثل، حتى لا يخسر المبادئ والقيم التي أُرسل لنشرها بين العباد.
لقد كان يمارس التجاهل لهم ولكل سوء يبدر منهم، فيبعد الضغوط عن نفسه بهذا التجاهل، ويريح أصحابه من الانشغال والتشاغل بما يصدر من أولئك مــن ســـوء.
إن الله سبحانه وتعالى خلقنا لنقوم بدور حقيقي وهو عمارة هذه الأرض (... هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ...)[1]، قال صاحب الميزان: (أنه تعالى هو الذي أوجد على المواد الأرضية هذه الحقيقة المسماة بالإنسان، ثم كمّلها بالتربية شيئاً فشيئاً وأفطره على أن يتصرف في الأرض بتحويلها إلى حال ينتفع بها في حياته)[2].
وكل تشاغل عن هذا الهدف ضياع وخسارة.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (45)