اسمه ونسبه:
هو العَبّاس ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
إلى هنا يقف الباحث عن الإتيان بباقي الآباء الأكارم إلى آدم، بعد ما يقرأ قول النّبي (صلى الله عليه وآله): (إذا بَلغ نسبي إلى عدنان فامسكوا..)[1].
ولادته (عليه السلام):
ولد سنة ست وعشرين من الهجرة وكان يلقّب في زمنه «قمر بني هاشم» ويكنى «أبا الفضل». عاش مع أبيه أَمِيْر المؤمنين (عليه السلام) (14 سنة)، ومع أخيه الحسن (عليه السلام) بعد أبيه (عشر سنوات) وبعدهما مع أخيه الحسين (عليه السلام) (عشر سنوات).
العَبّاس مع أبيه (عليه السلام):
كان أمير المؤمنين (عليه السلام) معلّم البشرية ومربّيها؛ سيما المجتمع الإسلامي الذي ساقه (عليه السلام) إلى ذرى الإنسانية الشماء.
وقد قدم (عليه السلام) دروس الشهامة والفضيلة والكمال لمحبيه وشيعته، وخصّ بذلك أيضاً أبناءه (عليه السلام)، وقد ربّى ولده أبا الفضل العَبّاس (عليه السلام) ـ وكان غايته من زواجه بأُمّ البنين (عليها السلام) ـ أحسن تربية، فأفاض عليه مكنونات نفسه العظيمة العامرة بالإيمان والمثل العليا، وأفاض عليه آداب الإسلام وعلوم القرآن والحديث والفضائل الأخلاقية، ولم يمنعه أي فيض من فيوضاته، فعّلمه الزراعة والفروسية والرماية والمجالدة بالسيف، وشركه في حروبه الثلاثة (الجمل وصفين والنهروان) فعلّمه على تجربة الحرب وخوض ساحات الوغى والمنون، حتى طار صيته في الآفاق، وصار العَبّاس وشجاعته مثلاً تسير به الركبان، ويتحدّث به العرب في أنديتهم.
العَبّاس مع أخيه الحسن (عليه السلام):
لما استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) انتقلت ودائع الإمامة إلى ولده الحسن (عليه السلام)، السبط الأكبر للنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وتقلّد شيعته وأهل بيته، بل والمسلمون جميعاً قلادة الإطاعة لإمام زمانهم (عليه السلام).
وكان العَبّاس (عليه السلام) واقفاً إلى جنب أخيه في الحربين مع معاوية، ثابت القدم، راسخ الإيمان، مما أكسبه تجارب عظيمة، وخبرة كبيرة في جفاء القوم وخيانة رؤوسهم وقادتهم.
فلما اتخذ الإمام(عليه السلام) قرار (الصلح) مع معاوية ـ بناءً على المصلحة وعملاً بالأمر الإلهي ـ أطاعه العَبّاس (عليه السلام) في ذلك وسلّم لأمر إمامه، ومضت عشرة سنوات في الهدوء الظاهر، والصمت المخيم على الموقف التزاماً بالصلح، وإطاعة للامام حتى استشهد الإمام الحسن (عليه السلام).
العَبّاس مع أخيه الحسين(عليه السلام):
بقي أبو الفضل العَبّاس خلال فترة (الصلح) مع معاوية ملتزماً بالمعاهدة إطاعة لإمامه وامتثالاً لتكليفه، وكان طيلة فترة حياته مع أخيه حاضراً جاهزاً مطيعاً ممتثلاً لإمام زمانه، ولم يؤثر عنه أنّه خاطبه ولا مرة واحدة بـ (أخي)، وإنّما كان يخاطبه بـ (مولاي) و (سيدي)، ولم يؤثر عنه أنّه عبّس وجهه إلا في وجوه الأعداء وكان ينقض كالصقر إذا ما سمع أمراً صادراً من إمامه الحسين (عليه السلام)، فينفذه فوراً، وكان وفياً له....
الشهادة:
لقد أبدى أبو الفضل يوم الطف من الصمود الهائل، والإرادة الصلبة ما يفوق الوصف، فكان برباطة جأشه، وقوّة عزيمته جيشاً لا يقهر فقد أرعب عسكر ابن زياد، وهزمهم نفسيّاً، كما هزمهم في ميادين الحرب فان البطولات لأبي الفضل كانت ولا تزال حديثاً للناس في مختلف العصور.
لذا انّ شجاعة أبي الفضل وسائر مواهبه ومزاياه التي تميز بها بشهادة الإمام الصادق (عليه السلام): (كان عمّنا العَبّاس نافذ البصيرة، صلب الإيمان..)[2]، تدعو إلى الاعتزاز والفخر ليس له وللمسلمين فحسب، وإنما لكل إنسان يدين لإنسانيته، ويخضع لقيمها الكريمة.
مجلة بيوت المتقين العدد (68)