لم تكتفِ الحكومة الأُموية بقتل الحسين(عليه السلام) فحسب، بل دعتهم أَحقادهم القديمة وموروثاتهم القبلية إِلى هتك ستر البيت المحمدي، وذلك من خلال تسييره وعرضه على القاصي والداني، وكانوا يرومون من خلاله استعراض قدراتهم العسكرية، وبث الرعب في قلوب من يحاول التجرئ على مملكتهم ، إِلاّ أَن هذا الركب أَحدث في قلوب الناس بركاناً من الغضب، وهم يسمعون كلام الرأس الشريف[1]، وهتاف الأَطفال بصرخة الإِباء، فكان حقاً تظاهرة إِعلامية تؤجج المشاعر وتلهب العواطف ضد السلطة الظالمة.
ولم تترك العقيلة زَيْنَب(عليها السلام) موسعاً من جهدها إِلاّ وجسدته بخطاب تلهب من خلاله القلوب الغاضبة على بني أُمية طيلة رحلتها الشاقة المؤلمة إِلى الكوفة ومنها إِلى الشام مروراً بسائر البلدان والمناطق.
وحتى في مجلس يزيد بن معاوية والذي قد خطط ليكون دخول السبايا إِلى مجلسه مهرجاناً يحتفل فيه بانتصاره على الحسين(عليه السلام)، فأَحضر كبار قادة جيشه وزعماء الشام، وأَحاط نفسه بأَجواء من الهيبة المصطنعة، لكن العقيلة زَيْنَب(عليها السلام) أَفسدت عليه كل ما صنع، وأَفشلت مهرجانه الضخم من خلال خطابها المُدوّي، الذي فضحت فيه يزيد، وعظم ما ارتكب من جريمة نكراء، وقبل خطابها حينما نظرت إِلى رأس أَخيها الحسين(عليه السلام) بين يدي يزيد، انتصبت قائمة وأَجهشت بالبكاء، ونادت بصوت حزين يقرح القلوب: (يَا حسيناهُ، يا حبيبَ رسولِ اللهِ، يا بنَ مَكّة ومنى، يا بن فاطمة الزهراء سيدة النساء، يا بن بنت المصطفى، قال الراوي: فأبكت والله كل من كان في المجلس ويزيد ساكت)[2].
[1] قد روي أن رأس الإمام الحسين (عليه السلام) قد تكلم بالآيات القرآنية وبغيرها، من طرق السنة والشيعة، فراجع على سبيل المثال: الخصائص الكبرى: ج2، ص125 و127، ومناقب آل أبي طالب: ج2، ص188، وشرح الشافية وهي قصيدة أبي فراس: ص148، ومقتل العوالم: ص151، وتفسير نور الثقلين: ج3، ص243، والبحار: ج45، ص188 و172، ومصادر ذلك كثيرة لا مجال لاستقصائها.
[2] حياة السيدة زَيْنَب الكبرى، جعفر النقدي: ص114.