ولادة الإمام المهدي (عليه السلام)

نرفع أسمى آيات التهنئة والتبريك لجميع المؤمنين والمؤمنات، بمناسبة ولادة صاحب العصر والزمان الإمام الحجة محمد بن الحسن المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، سائلين المولى العلي القدير أن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستشهدين بين يديه.

لقد عمل الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) على إخفاء أمر ولده المنتظر (عليه السلام)، وكتم أمره خوفاً عليه من السلطة العباسية العاتية، التي سعت للبحث عنه وإلقاء القبض عليه وتصفيته جسدياً، وفي الوقت نفسه لم يُبقِ الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أمر ولده الإمام المنتظر (عليه السلام) مجهولاً، وإنما أظهره لأعلام شيعته وثقاة أصحابه، ودلّهم عليه، ومن هذه الخطوات التي اتخذها الإمام (عليه السلام) في سبيل تثبيت إمامة الإمام المهدي (عليه السلام) في نفوس وعقول المسلمين: أنه لمّا علم الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) أنه مفارق لهذه الحياة، نصَّ على إمامة ولده الإمام المنتظر (عليه السلام)، وعرّفه لخواص أصحابه، وثقاة شيعته، ومن بينهم (أحمد بن إسحاق الأشعري) الثقة، الزكي، فقد روي أنه قال: (دخلت على أبي محمد، الحسن بن علي (عليه السلام)، وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال لي مبتدياً: (يا أحمد بن إسحاق، إن الله تبارك وتعالى لم يُخل ِالأرض منذ خلق آدم، ولا يُخليها إلى أن تقوم الساعة من حجة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه يُنزل الغيث، وبه يُخرج بركات الأرض). وانبرى أحمد قائلا: يا بن رسول الله، من الإمام والخليفة بعدك؟. ونهض الإمام (عليه السلام) مسرعاً فدخل البيت، ثم خرج وعلى عاتقه غلام كأن وجهه القمر ليلة البدر، وهو من أبناء ثلاث سنين، فقال (عليه السلام): يا أحمد لولا كرامتك على الله عزو جل، وعلى حججه، ما عرضتُ عليك ابني هذا، إنه سُمّي باسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكنيته، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يا أحمد مثله في هذه الأمة، مثل الخضر، ومثل ذي القرنين، والله ليغيبن غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبّته الله على القول بإمامته، ووفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه)، وسارع أحمد قائلا: هل من علامة يطمئن إليها قلبي؟

فبادر حجة الله الصبي قائلا: (أنا بقية الله في أرضه، والمنتقم من أعدائه، ولا تطلب أثرا بعد عين)، وخرج أحمد من دار الإمام، والفرح ملء إهابه، فلما كان اليوم الثاني تشرّف بمقابلة الإمام الحسن (عليه السلام)، وبادره قائلاً: يا بن رسول الله لقد عظم سروري بما مننت به عليَّ، فما السُنَّة الجارية من الخضر وذي القرنين؟... . وراح الإمام يُبَيّن له السُنَّة فيهما قائلا: (طول الغيبة)، وأسرع أحمد قائلا: يا بن رسول الله، وإن غَيبته لتطول؟ فأجابه الإمام: (إي وربي، حتى يرجع عن هذا الأمر أكثر القائلين به، ولا يبقى إلا من أخذ الله عز وجل منه عهدا لولايتنا، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه. يا أحمد هذا أمر من الله، وسر من سر الله، وغيب من غيب الله فخذ ما آتيتك، واكتمه، وكن من الشاكرين تكن معنا في عليين)[1].

ومن بين الأخبار التي نصَّ فيها الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) على إمامة ولده الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) ما رواه الثقة الجليل، محمد بن عثمان العمري، عن أبيه، قال: (سئل أبو محمد، الحسن بن علي (عليهما السلام)، وأنا عنده عن الخبر الذي روى عن آبائه (عليهم السلام): (أن الأرض لا تخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم القيامة، وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)، وأكد الإمام (عليه السلام) صحة الحديث قائلاً: (إن هذا لحق، كما أن النهار حق). وسارع شخص في مجلس الإمام قائلاً: يا بن رسول الله، فمن الحجة، والإمام بعدك؟.
فدلَّه الإمام على حجة الله بعده قائلا: (ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إن له غَيبَة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقّاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة)[2].

 

المصدر: مجلة بيوت المتقين / العدد (63) ـ الصفحة: 20 - 21.

 


[1] كمال الدين وتمام النعمة: ص384-385  .

[2] كمال الدين وتمام النعمة: ص409.