حركة نشأت بُعيد يوم عاشوراء ضد جور يزيد ابن معاوية وظلم بني أمية، قد أسسها ثلة من الكوفيين ممن ندموا على ترك نصرة الإمام الحسين(عليه السلام) لما استغاثهم واستنصرهم فخذلوه، فأرادوا التوبة مما صدر منهم فكوّنوا هذه الحركة الثورية بقيادة سليمان ابن صرد الخزاعي أحد أشراف الكوفة، فبدايات الحركة كان بعد انقسام الكوفيين إلى ثلاث فئات فئة قد كتبت للحسين(عليه السلام) القدوم إلى الكوفة ووعدته النصر بقدومه، ومن ضمن هذه الفئة حبيب بن مظاهر الأسدي ونافع بن هلال الجملي وغيرهم من الأشاوس، وفئة أخرى كانت على نقيض الفئة الأولى لا تحفل بعقيدة ولا مبدأ وهم الأعم الأغلب، وما كتبت له إلا لرؤيتها أن في الحسين(عليه السلام) رجل زمانه، فلا ترى بأساً بتأييده وهذه الفئة قد مالت مع ابن زياد وقاتلت الحسين(عليه السلام)، وفئة ثالثة كانت وسطاً بين الفئتين فلا هي نصرت الحسين(عليه السلام) ولا قاتلته، ولكنها انكفأت على نفسها ونكرت بقلبها قتاله(عليه السلام)، فإذا قُتل الحسين(عليه السلام) ندمت على تركها نصرته، فندمها وشعورها بالأسف لاستشهاد الحسين(عليه السلام)، لم يكن ليُخفِّف عنها شدّة المأساة؛ بمصرع الشخصية التي وضع الشيعة كلّ آمالهم وطموحاتهم فيها لتحقيق العدل الإلهي في الأرض، ومن هذه الفئة انبثقت فكرة الثورة التي عُرف رجالها باسم (التوابين)، وهو منبثق من الآية الكريمة التي أصبحت شعارهم: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقَتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنّهُ هُوَ التّوّابُ الرّحِيْمُ)[1]، وتزعّم التحرّك وقتها خمسة من كبار زعماء الكوفة، وهم سليمان بن صُرد الخزاعي، الذي أصبح زعيما لهذه الثورة وهو من أصحاب الإمام علي(عليه السلام) وشارك معه في جُل حروبه، والمُسَيّب بن نجبه الفزاري، وعبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي، وعبد الله بن وال التميمي، ورفاعة بن شدّاد البجلي، فبدأوا يمارسون نشاطهم في الخفاء، ويبشِّرون بدعوتهم الانتقامية في أوساط الشيعة، بعيداً عن مراقبة السلطة وجواسيسها، وبعدها جمع سليمان بن صرد الخزاعي والذي سُمّي بأمير التوّابين أنصاره في منطقة النخيلة، في الخامس من ربيع الثاني 65 هـ، ثمّ سار بهم إلى قبر الإمام الحسين(عليه السلام)، وكان عددهم ما يقارب أربعة آلاف رجل، فما أن وصلوا إلى القبر الشريف، فأتموا الزيارة وجددوا العهد معه، تحركوا بعدها قاصدين الشام، فوصلوا إلى منطقة (عين الوردة) التي دارت فيها رحى الحرب بينهم وبين جند الشام، في 22 من جمادي الأولى سنة 65 هـ، وقتلوا من جيش الشام مقتلة عظيمة، حتّى قُتل زعيمهم سليمان، وحمل الراية بعده ممن تبعه من القادة أيضا على نفس السبيل، باستثناء رفاعة بن شداد الذي اعترف بالهزيمة وأدرك عدم جدوى القتال، فأصدر أوامره لبقية التوّابين بالانسحاب والتراجع، واستمرت حركة التوابين بمناهضتها لظلم بني أميّة وقيام الثورات المتعاقبة المرتدة عليهم، حتى تسلّم المختار بن أبي عبيد الثقفي القيادة على التوابين ورشح لقيادة جيشه إبراهيم ابن مالك الأشتر، وكان من أهداف ثورة التوابين الرئيسية ملاحقة الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين(عليه السلام)، فلاقت ثورتهم في بادئ الأمر نجاحاً كبيراً وحققت انتصارات أدت إلى السيطرة على الكوفة والعراق وتمكنوا من قتل العديد من مجرمين عاشوراء كالشمر ابن ذي الجوشن قاتل الإمام الحسين(عليه السلام) وعمر ابن سعد قائد جيش يزيد ابن معاوية في يوم عاشوراء، وعبيد الله ابن زياد الذي قُتل في معركة حصلت بين جيشيهما سنة 65هـ بالقرب من نينوى، وانتهت الثورة بعدها بمقتل المختار الثقفي في الكوفة سنة 67هـ في قتال غير متكافئ بينه وبين مصعب ابن الزبير بعد أن تخلى عنه أهل الكوفة كما تخلّوا في السابق عن الإمام الحسين(عليه السلام) حين استنصرهم.
المصدر: مجلة اليقين العدد (11)