تأسيس المسجد:
الجامع الأزهر من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي، وهو أقدم أثر فاطمي قائم بمصر، وهو جامع وجامعة منذ أكثر من ألف سنة، وقد أُنشئ على يد جوهر الصقلي عندما تم فتح القاهرة سنة 970 م بأمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر، وبعدما أسس مدينة القاهرة شرع في إنشاء الجامع الأزهر، ووضع الخليفة المعز لدين اللَّه حجر أساس الجامع الأزهر في 14 رمضان سنة 359هـ - 970م، وأتم بناء المسجد في شهر رمضان سنة 361هـ -972م، فهو بذلك أول جامع أنشى في مدينة القاهرة المدينة التي اكتسبت لقب مدينة الألف مئذنة، وقد اختلف المؤرخون في أصل تسمية هذا الجامع، والراجح أن الفاطميين سموه بالأزهر تيمّنا بفاطمة الزهراء(عليها السلام) ابنة النبي محمد(صلى الله عليه وآله) وإشادة بذكراها، وتم تخصيص جامعة متكاملة داخل المسجد كجزء من مدرسة المسجد منذ إنشائه، واعتبرت رسميا جامعة مستقلة في عام 1961، في أعقاب الثورة المصرية لعام 1952.
بين التغييب والتكريم:
صلاح الدين الأيوبي والسلاطين الأيوبيون السنّيين الذين جاؤوا من بعده تجنّبوا الأزهر على مدى تاريخ طويل، وقد تم إهمال المسجد بالتناوب وبشكل كبير، لأنه تأسّس باعتباره مؤسسة لنشر المذهب الإسماعيلي، وقد تم إزالة مكانته باعتباره مسجدا شيعيا وحرمان رواتب الطلبة والمدرسين في مدرسة الجامع.
في عهد السلطة المملوكية تم عكس هذه التحركات، حيث بلغ الاهتمام بالأزهر ذروته، وكان ذلك بمنزلة العصر الذهبي للأزهر، وقاموا بالعديد من التوسعات والتجديدات التي طرأت على البنى التحتية للمسجد، كما أظهر الحكام في وقت لاحق من مصر بدرجات متفاوتة الاهتمام والاحترام للمسجد، وقدّمت على مستويات متفاوتة المساعدات المالية لصيانة المسجد والمدرسة على حد سواء.
العمارة:
بُني المسجد في البداية على شكل قاعة للصلاة مع خمسة ممرات وفناء مركزي متواضع، ومنذ ذلك الحين تم توسيع المسجد عدة مرات مع منشآت إضافية محيطة تماماً بالهيكل الأصلي، وقد شكّل العديد من حكّام مصر الهندسة المعمارية للأزهر بما أضافوه من القاعات والأروقة والأبواب والقباب والمآذن.
تطور العمارة من العهد الفاطمي إلى العهود اللاحقة:
كان الهيكل الأصلي (85م) في الطول و(69م) عرض، ويتألف من ثلاثة أروقة معمدة تقع حول فناء، في جهة الجنوب الشرقي من الفناء، بنيت قاعة الصلاة الأصلية على هيئة بهو معمد، مع خمسة ممرات عميقة، بقياس (79م) طول و(23م) عرض، وبني في النهاية ما مجموعه ثلاث قباب، وهي سمة مشتركة بين أوائل المساجد في شمال أفريقيا.
الزخارف الجصّية المعقدة سمة بارزة في المسجد، فقد كانت الجدران والمحراب مزيّنة بالنقوش، وقد كُتب على المحراب مجموعتان من الآيات من القرآن المدرجة في قوقعته، والتي لا تزال سليمة، وهذه النقوش هي الوحيد الباقية من العهد الفاطمي، وتم إضافة الساحة المركزية المعبّدة برخام بين 1009م و 1010م، وإضافة الممرات التي تحيط بالفناء. وتم تركيب باب ومحراب خشبيين جديدين في عهد الحاكم بأمر الله في 1009م، وفي سنة 1125م، وشُيّدت قبة إضافية في عهد الحافظ لدين الله، بالإضافة إلى ذلك، فقد أمر بإنشاء الممر الرابع حول الفناء، أما الشرفة فقد بُنيت على الطرف الغربي من الصحن.
في عصر الدولة الأيوبية:
تم تعيين صلاح الدين في البداية وزيرا من طرف أخر الخلفاء الفاطميين العاضد لدين الله (الذي كان يثق بصلاح الدين ولا يمكن أن يتلاعب به بسهولة)، إلا أن صلاح الدين الأيوبي أطاح بالفاطميين عام 1171م، وقام في مصر بالتحالف مع الخلافة العباسية السنية في بغداد حيث كان معادياً لمبادئ التعاليم الشيعية التي طرحت في الأزهر أثناء الخلافة الفاطمية، لذلك أُهمل المسجد خلال حكم السلالة الأيوبية لمصر وخسر المسجد هيبته أثناء فترة حكمهم، ومُنعت الصلاة فيه، وعانى مركز التدريس في المسجد ومكتبة الأزهر التي كانت مجهزة بشكل جيد للإهمال، ودمّرت جملة من المخطوطات، كما شجع الأيوبيون تدريس الفكر السني في المدارس التي بنيت في جميع أنحاء القاهرة، ومع ذلك ظل الأزهر مركز فقه اللغة العربية، ومكاناً للتعليم طوال هذه الفترة.
الإضافات المملوكية:
استعاد المسجد هيبته خلال فترة المماليك الذين قاموا بسلسلة من الترميمات والإضافات للمسجد، والإشراف على التوسّع السريع في برامجه التعليمية، ومن بين الترميمات التي قام بها المماليك تعديل المحراب، مع تركيب الرخام الملون لواجهته، وفي عام 1309م، تم بناء المدرسة الطيبرسية، التي تحتوي على قبر الأمير علاء الدين طيبرس، وقد بنيت أصلا كمسجد مكمل للأزهر وتم دمجها مع بقية المسجد، وتستخدم الآن للاحتفاظ بالمخطوطات من المكتبة، وفي عام 1339م، تم بناء قبة ومئذنة لتغطية المدرسة الأقبغاوية، التي تحتوي على قبر أمير أقبغا عبد الواحد، وتعود تسمية المدرسة الأقبغاوية لمؤسسها، أقبغا عبد الواحد، لتكون مسجدا قائماً بذاته ومدرسة، وفي عام 1440م، بنيت المدرسة الجوهرية والتي تحتوي على قبر الأمير جوهر القنقبائي، الذي كان يشغل منصب الخازندار (المشرف على خزائن الأموال السلطانية) أثناء حكم السلطان المملوكي الأشرف سيف الدين برسباي، وتم تغطية حجرة القبر بواسطة قبة صغيرة مزخرفة.
مئذنة قايتباي:
بُنيت في عام 1483م، وهي على شكل عمود أسطواني ينقسم إلى جزئين مثمنين، ومئذنة قايتباي تتكون من ثلاث شرفات، تدعمها مقرنصات، مع جزء أسطواني في نهاية المئذنة، وزينت بأربعة أقواس.
باب الجندي:
مباشرة عبر فناء مدخل باب المزينين نجد باب الجندي (باب قايتباي)، الـذي يؤدي بدوره إلـى الباحة الرئيسية من قاعة الصلاة، وقد بني عام 1495.
مئذنة الغوري:
وهي مئذنة مزدوجة الرؤوس بنيت في عام 1509 في عهد قنصوة الغوري.
التجديدات العثمانية والإضافات:
خلال عهد الخلافة العثمانية في مصر حصلت إضافات وترميمات، وتم إنجاز الكثير منها تحت إشراف عبد الرحمن كتخدا الذي ضاعف تقريبا حجم المسجد، وأضاف ثلاث بوابات وهي: باب المزينين، وهو أكبر وأهم الأبواب الثمانية للجامع الأزهر والذي أصبح المدخل الرئيسي للمسجد، وباب الشربة، وباب الصعايدة، وأضاف عدة أروقة، بما في ذلك واحدة للطلاب المكفوفين من الأزهر، وأضاف أيضاً قاعة صلاة إضافية جنوب القاعة الفاطمية الأصلية، مع محراب إضافي، لمضاعفة مساحة قاعة الصلاة الإجمالية.
واليوم لا يزال الأزهر مؤسسة لها تأثير عميق في المجتمع المصري ورمزاً من رموز مصر الإسلامية.
المصدر: بيوت المتقين (21) - شهر جمادى الاخرة 1436هـ