الصفة الثامنة للمؤمنين التي ذُكرت في سورة الفرقان هي أنهم لا يرتكبون الفاحشة، أي: الزنا، حيث يقول تعالى في وصف المؤمنين: (... وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا)[1]، والشرائع السماوية تنهى عن ارتكاب الفاحشة أشد النهي، فقد كان محرّما في ملّة اليهود ويستفاد من الأناجيل حرمته أيضا، وقد نهي عنه في الإسلام وعُدّ من المعاصي الكبيرة، وازدادت شدّة التحريم في موردين:
الأول: المحارم كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة.
الثاني: مع الإحصان، وهو أن يرتكب الرجل الفاحشة وله زوجة، وكذلك بالنسبة للمرأة ذات البعل[2].
النهي عن الزنا في الآيات الشريفة:
ولقد نهى الله تعالى عن الزنا نهيا شديدا في آيات كثيرة أخرى يكشف عن فظاعة هذا الذنب، منها قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)[3]، وحدد له عقوبة شديدة في الدنيا - فضلا عن الآخرة - للحد من هذه الممارسة وليرتدع من يفعل هذا الفعل الشنيع حيث يقول تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[4]، فيلاحظ أن الله تعالى مع شدة تستره على الأفراد وعدم سماحه لهتك سترهم حتى في مجال ممارستهم للذنوب كما في تشريع حرمة غيبة المؤمن، مع ذلك نرى هنا أنه تعالى يأمر بالحضور لمشاهدة عقوبة مرتكب الفاحشة، ومنه يعرف آلية الردع المتبعة هنا لتحذير باقي أفراد المجتمع من ارتكاب هذا الذنب، والذي منه يعرف بالمقابل شدة الذنب وعظمه.
النهي عن الزنا في الروايات الشريفة: مضافا إلى الآيات القرآنية ورد النهي عن الزنا أيضاً في جملة من الأحاديث الشريفة وفيما يلي نذكر طائفة منها:
ورد في الحديث القدسي أن الله عز وجل قال: (... ولا أُدني مني يوم القيامة من كان زانيا)[5]، وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (معشر المسلمين إياكم والزنا فإن فيه ست خصال: ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة: فأمّا في الدنيا: فإنه يُذهب بالبهاء، ويُورث الفقر، ويُنقص العمر، وأما التي في الآخرة: فإنه يُوجب سخط الرب، وسوء الحساب، والخلود في النار)[6]، وعن أبي عبد الله(عليه السلام) قال: (إن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أقرّ نطفته في رحم يحرم عليه)[7]، وعن الرضا (عليه السلام): (حُرّم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس، وذهاب الأنساب، وترك التربية للأطفال، وفساد المواريث وما أشبه ذلك من وجوه الفساد)[8].
زنا الجوارح مقدمة للزنا:
عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) قالا: (ما من أحد إلا وهو يُصيب حظّا من الزنا، فزنا العينين النظر، وزنا الفم القبلة، وزنا اليدين اللمس، صدّق الفرجُ ذلك أم كذّب)[9]، أي: أوقع الزنا، فإنه إذا فعل فكأنه صدّق العينين لان فعلها مظنّة ذلك فإن لم يفعل فكأنه كذّبها ولم يأت بمرادها.
ومن هذا الحديث يفهم أن هناك مقدمات تجرّ إلى الزنا ينبغي تجنبها وعدم مقاربتها، فخيانة العين تعتبر واحدة من المقدمات، والسفور والتعري مقدمة أخرى، الكتب السيئة والأفلام الملوثة والمجلات الفاسدة ومراكز الفساد كل واحدة منها تعتبر مقدمة لهذا العمل، وكذلك الخلوة بالأجنبية (يعني خلوة المرأة مع الرجل الأجنبي عنها في مكان واحد ولوحدهما) يعتبر عاملا في إثارة الشهوة أيضاً فهو مقدمة أخرى من مقدمات الزنا، وأخيرا فإن امتناع الشباب عن الزواج خاصة مع ملاحظة الصعوبات الموضوعة أمام الطرفين، هي من العوامل التي قد تؤدي إلى الزنا، وفي قوله تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) نهيٌ عن كل ذلك بشكل بليغ مختصر، ولكنّا نرى في الأحاديث والروايات نهيا مفصّلا عن كل واحدة من هذه المقدمات[10].
آثار الزنا الوضعية:
للزنا آثار وضعية على الفرد والمجتمع ذكرتها الروايات الشريفة فقد روي أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: (إذا كثر الزنا كثر موت الفجأة)[11]، وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام: إنّ مما أوحى الله تعالى به لموسى(عليه السلام): (...لا تزنوا فتزني نساؤكم ومن وَطَئ فراش امرئ مسلم وُطِئ فراشُه، كما تدين تُدان)[12]، وعنه(عليه السلام) أيضاً قال: (... إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل...)[13].
فلسفة تحريم الزنا:
يمكن الإشارة إلى خمسة عوامل في فلسفة تحريم الزنا، وهي:
1- إن انتشار الزنا في المجتمع يؤدي إلى شيوع حالة الفوضى في النظام العائلي، وانقطاع العلاقة بين الأبناء والآباء، وحينئذ يتحول المجتمع الإنساني بالزنا إلى مجتمع حيواني تغزوه الجريمة والقساوة من كل جانب.
2- إن إشاعة الزنا في جماعة ما، ستقود إلى سلسلة واسعة من الانحرافات أساسها التصرفات الفردية والاجتماعية المنحرفة لذوي الشهوات الجامحة، لأن الانحرافات الجنسية تقترن عادة بأبشع ألوان الجرائم والجنايات.
3- لقد أثبت العلم ودلت التجارب على أن إشاعة الزنا سبب لكثير من الأمراض والمآسي الصحية مثل مرض الأيدز وكل المعطيات تشير إلى فشل مكافحة هذه الأمراض من دون مكافحة الزنا أصلا.
4- إن شياع الزنا غالبا ما يؤدي إلى محاولة إسقاط الجنين وقطع النسل، وحتى لو بقي الأولاد فإنهم سيلاقون صعوبات في التربية وفقدان محبة الوالدين وعطفهما، مضافا إلى النظرة الاجتماعية السلبية لهم، كل هذه العوامل تؤدي إلى تحويل هذه الطبقة من الأولاد إلى قساة وجناة وفاقدي الشخصية.
5- يجب أن لا ننسى أن هدف الزواج ليس إشباع الغريزة الجنسية وحسب، بل المشاركة في تأسيس الحياة على أساس تحقيق الاستقرار الفكري والأنس الروحي للزوجين، وأما تربية الأبناء والتعامل مع قضايا الحياة، فهي آثار طبيعية للزواج، وكل هذه الأمور لا يمكن لها أن تثمر من دون أن تختص المرأة بالرجل وقطع دابر الزنا وأشكال المشاعية الجنسية[14].
مجلة بيوت المتقين العدد (21)
[1] سورة الفرقان: 68.
[2] عن تفسير الميزان: ج 13 ص87.
[3] سورة الإسراء: 32.
[4] سورة النور: 2.
[5] ثواب الأعمال: ص199.
[6] الخصال: ج1 ص155.
[7] الكافي: ج5، ص541.
[8] علل الشرايع: ج2 ص165.
[9] الكافي: ج5 ص559.
[10] عن الأمثل: ج8 ص471.
[11] المحاسن: ص 107.
[12] المحاسن: ص 107.
[13] الخصال: ج 1 ص 115.
[14] الأمثل: ج8 ص471.