المدينة المنورة أول عاصمة إسلامية، وهي من الأماكن المقدسة لدى المسلمين، وتقع على أرض الحجاز في المملكة العربية السعودية، تبعد حوالي 400 كم عن مكة المكرمة في الاتجاه الشمالي الشرقي، وعلى بعد حوالي 150 كم شرق البحر الأحمر، وأقرب الموانئ لها هو ميناء ينبع والذي يقع في الجهة الغربية الجنوبية منها ويبعد عنها 220 كم.
وتبلغ مساحة المدينة المنورة حوالي 589 كم منها 99 كم تشغلها المنطقة العمرانية، أما باقي المساحة فهي خارج المنطقة العمرانية، وتتكون من جبال ووديان ومنحدرات سيول وأراض صحراوية وأخرى زراعية ومقابر وأجزاء من شبكة الطرق السريعة.
تأسست المدينة المنورة قبل الهجرة النبوية بأكثر من 1500 عام، وعُرفت قبل ظهور الإسلام باسم (يثرب)، وقد ورد هذا الاسم في القرآن في قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً)[1].
موقع المسجد:
مسجد الجمعة وهو من المساجد القديمة في المدينة المنورة حيث يقع في جنوب غربي المدينة المنورة، على مسيل وادي رانوناء شمالي مسجد قُبا، ويبعد عنه مسافة 900 متر تقريباً. ويبعد عن المسجد النبوي حوالي 2300 متر.
أسماء المسجد:
للمسجد أسماء متعددة فقد كان يسمى بمسجد عاتكة لفترة من الزمن، ومسجد بني سالم لوقوعة في منازل قبيلة بني سالم بن عوف من الأنصار، وسمي أيضاً بمسجد القبيب نسبة إلى المحل الذي بني فيه، وكذلك أُطلق عليه سابقاً مسجد الوادي؛ لأنه
يقع في بطن وادي رانوناء ويسمى أيضاً بمسجد الجمعة وهو أشهرها.
الخلفية التاريخية للمسجد وسبب تسميته (بمسجد الجمعة):
عندما هاجر الرسول المصطفى (صلى الله عليه وآله) من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة التي وصل إليها يوم الاثنين 12 من ربيع الأول من العام الهجري الأول أقام عليه الصلاة والسلام في قباء أربعة أيام وانتهى من بناء أول مسجد أسس للتقوى، ثم خرج منها ضحى يوم الجمعة الموافق 16 من شهر ربيع أول (من العام نفسه) متوجهاً إلى المدينة، وقد جعل قُباء خلفه فكان اتجاهه عليه الصلاة والسلام من الجنوب إلى الشمال، حيث أصبحت منازل بني النجار بهذا المسير على يمينه من ناحية الشرق، وتسارع بنو النجار داعين المصطفى عليه الصلاة والسلام للبقاء عندهم والسكن معهم، وأخذوا يتجاذبون خطام ناقته (القصواء) باعتبارهم أخواله، وكان النبي يجيبهم (كما قيل) (دعوها فإنها مأمورة)، حتى إذا بلغ المكان الذي به المسجد الآن فأدركته صلاة الجمعة في هذا المكان وقد توفرت شروطها، وهو في بني النجار فنزل فيهم وصلى الجمعة بمن معه، فكانت أول جمعة في الإسلام، التي أوجبها الله تعالى بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجمُعَةِ فَاسْعَوْا إلىِ ذِكْرِ ا للِه وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[2]. وعندها قام فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخطب أوّل خطبة جمعة، وسمي بعد ذلك (بمسجد الجمعة)، ويذكر أن الجمعة قد فرضت في مكة، لكنه (صلى الله عليه وآله) لم يُقمها لعدم تمكنه من ذلك، وفور وصوله (صلى الله عليه وآله) إلى قُباء والمدينة باشر بالقيام بأعمال تأسيسية والتي منها بناء مسجد قُباء وإقامة صلاة الجمعة وغير ذلك من الأعمال التي ترتبط بمستقبل الدعوة الإسلامية.
تاريخ عمارة المسجد:
يذكر أن المسجد تم بناؤه من الحجر ولكنه تهدّم عدة مرات، فأعيد بناؤه وتجديده في كل مرة يتهدّم فيها، إلى أن جُدّد في عهد عمر بن عبد العزيز مرة أخرى، وكذلك في العصر العباسي ما بين 155 - 159هـ ، وجُدّد أيضا في عهد الدولة العثمانية بأمر السلطان بيازيد العثماني بين عامي 886 - 981 هجرية، ليظل على حاله إلى منتصف القرن الرابع عشر الهجري حيث جدده السيد حسن الشربتلي.
ويذكر بأن المسجد كان قبل التوسعة الأخيرة مبنياً فوق رابية صغيرة طوله 8 أمتار، وعرضه 4.5 أمتار، وارتفاعه5.5 أمتار، وله قبة واحدة مبنية بالطوب الأحمر وفي شماله رواق طوله 8 أمتار، وعرضه 6 أمتار، فقامت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بإعادة بنائه وتوسعته وفق تصميم هندسي جميل، وضاعفت مساحته عدة أضعاف، وفي عام 1409هـ، قام فهد بن عبد العزيز بهدم المسجد القديم وإعادة بنائه وتوسعته وتزويده بالمرافق والخدمات اللازمة (كسكن للإمام والمؤذن ومكتبة ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم ومصلّى للنساء مع دورات المياه)، وفي عام ١٤١٢هـ تم افتتاح المسجد وأصبح يستوعب 650 مصلياً بعد أن كان لا يستوعب أكثر من سبعين مصلياً، وللمسجد منارة رفيعة بديعة وقبة رئيسية تتوسط ساحة الصلاة إضافة إلى أربع قباب صغيرة.
خطبة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أول جمعة في الإسلام:
ذكر الشيخ الطبرسي في (كتابه مجمع البيان: ج 10 ، ص 10 ) قائلاً: (فأما أول جمعة جمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأصحابه فقيل: إنه قَدِم رسول الله (صلى الله عليه وآله) مهاجرا حتى نزل قبا على عمرو بن عوف، وذلك يوم الاثنين، لاثنتي عشرة ليلة، خلت من شهر ربيع الأول، حين الضحى، فأقام بقبا يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجدهم، ثم خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة قاصدا المدينة، فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ اليوم في ذلك الموضع مسجده، وكانت هذه الجمعة أول جمعة جمعها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الإسلام، فخطب في هذه الجمعة، وهي أول خطبة خطبها بالمدينة، فيما قيل فقال: (الحمد لله أحمده وأستعينه، وأستغفره وأستهديه، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى والنور والموعظة، على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنّو من الساعة، وقرب من الأجل، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى وفرط، وضل ضلالا بعيدا. أوصيكم بتقوى الله فإنه خير ما أوصى به المسلمُ المسلمَ أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، فاحذروا ما حذركم الله من نفسه، وإن تقوى الله لمن عمل به على وجل، ومخافة من ربه، عن صدق على ما تبغون من أمر الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السر والعلانية، لا ينوي بذلك إلا وجه الله، يكن له ذكرا في عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت، وحين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان من سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا، ويحذركم الله نفسه، والله رؤوف بالعباد. والذي صدق قوله، ونجز وعده، لا خلف لذلك، فإنه يقول: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ[3]. فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السر والعلانية، فإنه من يتق الله يُكفّر عنه سيئاته، ويعظم له أجرا، ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما، وإن تقوى الله توقي مقته، وتوقي عقوبته، وتوقي سخطه، وإن تقوى الله تبيّض الوجوه، وترضي الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله، فقد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا، ويعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في سبيل الله حق جهاده، هو اجتباكم، وسماكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد اليوم، فإنه من يصلح ما بينه وبين الله، يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضي على الناس، ولا يقضون عليه، ويملك من الناس، ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم)، فلهذا صارت الخطبة شرطا في انعقاد الجمعة.
المصدر: بيوت المتقين (18) شهر ربيع الاول 1436هـ