عمار بن ياسر (رضوان الله عليه)

أبو يقظان، عمّار بن ياسر بن عامر، مولى بني مخزوم، ولد (رضوان الله عليه) في مكّة المكرّمة، في عام الفيل، تعرّض أبواه بعد اعتناقهما الدين الإسلامي للتعذيب الشديد من قبل قريش، فصَبَرا عليه من أجل الإسلام، والدفاع عن النبي (صلى الله عليه وآله) حتّى نالا الشهادة، وعندما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يرى تعذيبهم يعدهم بالجنّة بقوله: صبراً يا آل ياسر، موعدكم الجنّة[1].

صحبته (رضوان الله عليه):

كان (رضوان الله عليه) من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)، وأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن السابقين إلى الإسلام، وتحمّل الأذى الكثير في سبيل الله عندما كان في مكّة، شأنه في ذلك شأن الأبرار من الصحابة الذين أسلموا في بداية الدعوة السرّية، هاجر الهجرتين - إلى الحبشة مع جعفر بن أبي طالب (عليه السلام)، وإلى المدينة المنوّرة - وصلّى إلى القبلتين، وبايع بيعة الرضوان، واشترك مع النبي (صلى الله عليه وآله) في حروبه كلّها: بدر، وأُحد، والخندق... واشترك مع أمير المؤمنين (عليه السلام) في حربي الجمل وصفّين، وكان فيهما من قادة الجيش.

وهو أحد الحاضرين في تشييع مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام)، والصلاة عليها ودفنها ليلاً، مع أنّها أوصت أن لا يشهد جنازتها ظالم لها، وكان من المشاركين في توديع أبي ذر حين نُفي إلى الربذة، رغم المرسوم الصادر بالمنع من ذلك.

وقد عُرف بولائه لأهل البيت (عليهم السلام)، السائر على نهجهم القويم حتى عد أحد الأركان الأربعة الذين أثبتوا ولائهم وإخلاصهم وتمسكهم بأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله)، وهم: سلمان والمقداد وأبو ذرّ وعمّار.

وقال في حقه الإمام الرضا (عليه السلام) واصفا إياه: (الذين مضوا على منهاج نبيهم (صلى الله عليه وآله) ولم يغيّروا ولم يبدلوا مثل: سلمان الفارسي وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر ... وأمثالهم رضي الله عنهم)[2].

من أقوال النبي (صلى الله عليه وآله) فيه:

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كلاّ، إنّ عمّاراً مُلئ إيماناً من قَرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه)[3].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (دم عمّار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسّه)[4].

وعنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): (الجنّة تشتاق إليك، وإلى عمّار، وسلمان، وأبي ذر، والمقداد)[5].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (عمّار مع الحق، والحقّ مع عمّار يدور معه حيثما دار)[6].

وعنه (صلى الله عليه وآله): (مَن عادى عمّاراً عاداه الله، ومَن أبغض عمّاراً أبغضه الله)[7].

إيمانه (رضوان الله عليه):

يُعدّ (رضوان الله عليه) من القلّة القليلة التي شهد لهم الله ورسوله (صلى الله عليه وآله)
وأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) بالدرجات الرفيعة، والمراتب العالية من الإيمان، ومن الذين ثبتوا إلى آخر عمرهم الشريف على الحق.

ففي كتاب الله تعالى تُذكر ظلامته من جهة، ويوصف قلبه المؤمن بالاطمئنان من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة يُلتمس له العذر ويصبح موقفه حكماً شرعياً، فأنزل الله عزّ وجل قوله الكريم: (إلَّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ)[8]، فعندها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا عمّار، إن عادوا فعُد، فقد أنزل الله عزّ وجل عُذرك، وأمرك أن تعود إن عادوا)[9].

موقفه من خلافة أبي بكر:

جاء عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعمار بن ياسر: (يا عمار إن رأيت علياً قد سلك وادياً وسلك الناس وادياً غيره، فاسلك مع علي ودع الناس، إنه لن يدلك على ردى ولن يخرجك من الهدى)[10].

وهكذا كان عمار بن ياسر مصداق أوامر النبي محمد (صلى الله عليه وآله) حتى آخر أنفاسه مدافعاً عن الحق ولا تأخذه لومة لائم، فكان (رضوان الله عليه) من الإثني عشر رجلاً الذين قاموا في المسجد النبوي بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله)، حينما رقى أبو بكر المنبر في أوّل جمعة له، فوعظوه وخوّفوه من الله سبحانه وتعالى، ودافعوا عن أحقّية الإمام علي (عليه السلام) بالخلافة، حيث قال: يا أبا بكر، لا تجعل لنفسك حقّاً جعله الله عزّ وجل لغيرك، ولا تكن أوّل مَن عصى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخالفه في أهل بيته، وأردد الحقّ إلى أهله تخف ظهرك، وتقل وزرك، وتلقى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو عنك راض، ثمّ يصير إلى الرحمن فيُحاسبك بعملك، ويسألك عمّا فعلت[11].

شهادته بحديث الغدير:

كان (رضوان الله عليه) من الصحابة الذين قاموا وشهدوا على صحّة ما نقله الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لمّا ناشدهم قائلاً: (أنشد الله مَن حفظ ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما قام فأخبر به، فقام زيد بن أرقم، والبَراء بن عازب، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد، وعمّار بن ياسر (رضوان الله عليهم) فقالوا: نشهد لقد حفظنا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهو قائم على المنبر وأنت إلى جنبه وهو يقول: أيّها الناس إنّ الله أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيّي وخليفتي، والذي فرض اللهُ عزّ وجلّ على المؤمنين في كتابه طاعتَه، فقرنه بطاعته وطاعتي، فأمركم بولايتي وولايته، فإنّي راجعت ربّي عزّ وجل خشية طعن أهل النفاق وتكذيبهم فأوعدني ربّي لأبلّغنها أو ليعذّبني)[12].

شعره وخطبه (رضوان الله عليه):

كان شعره (رضوان الله عليه) مرآةً عاكسةً لما جال في قلبه، فترنّم بأمجاد إمامه أمير المؤمنين (عليه السلام) وفضائله، فكان يقول:

إنّي لعمّار وشـــيخي ياســر                   صاح كلانا مؤمن مهاجر

طلحة فيها والزبير غــــادر                  والحقّ في كفّ علي ظاهر[13].

وقال:

سيروا إلى الأحزاب أعداء النبي            سيروا فخير الناس أتباع علي

هذا أوان طاب سلُّ المشـــــرفي          وقودنا الخيل وهزّ السمهري[14].

وأمّا خطبه، فهي مثمرة واحتجاجاته غلاّبة، فبعدما تمّت البيعة لعثمان قام في الناس خاطباً: يا معشر المسلمين، إنّا قد كنّا وما كنّا نستطيع الكلام قلّة وذلّة، فأعزّنا الله بدينه، وأكرمنا برسوله، فالحمد لله ربّ العالمين.

يا معشر قريش، إلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم! تحولونه ها هنا مرّة، وها هنا مرّة، وما أنا آمن أن ينزعه الله منكم ويضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله[15].

شهادته (رضوان الله عليه):

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (يا عمّار، إنّك ستقاتل بعدي مع علي صنفين: الناكثين والقاسطين، ثمّ تقتلك الفئة الباغية، قلت: يا رسول الله: أليس ذلك على رضا الله ورضاك؟ قال: نعم، على رضا الله ورضاي، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه)[16].

برز (رضوان الله عليه) إلى القتال في صفّين وقاتل قتال الأبطال، ثمّ دعا بشربة من ماء، فقيل له: ما معنا ماء، قام إليه رجل من الأنصار فسقاه شربة من لبن، لمّا شربه قال: هكذا عهد إليّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من اللبن[17]، ثمّ حمل على القوم فقتل منهم ثمانية عشر رجلاً، وحمل عليه ابن جَون السكوني، وأبو العادية الفزاري، فطعنه الفزاري، واحتزّ رأسه ابن جون.

استُشهد (رضوان الله عليه) في شهر صفر سنة37ﻫـ بحرب صفّين، وصلّى على جثمانه أمير المؤمنين (عليه السلام)، ودُفن في مدينة الرقة في السورية مع أُويس القرني وأُبي بن كعب الأنصاري حيث كانت معركة صفين وقتها.

تأبينه (رضوان الله عليه):

حَسْبُه (رضوان الله عليه) من الإكرام والتجليل ما أبّنه به الإمام علي (عليه السلام) وتلهّف عليه، وتشوّق إليه، وأثنى عليه، حيث قال: أين إخواني الذين ركبوا الطريق، ومضوا على الحق! أين عمّار! وأين بن التيّهان! وأين ذو الشهادتين! - أي خُزيمة بن ثابت الأنصاري - وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على المنية[18].

وفي رواية أنه (عليه السلام) وقف على عمار وهو مرمل بدمه وقال: (إنّا لله وإنّا إليه راجعون، إنّ امرأً لم يدخل عليه مصيبة من قتل عمّار فما هو من الإسلام في شيء، ثمّ قال علي: رحم الله عمّاراً يوم يُبعث، ورحم الله عمّاراً يوم يُسأل)[19].

مجلة بيوت المتقين العدد (5)

 


[1] أعيان الشيعة للسيد محمد الأمين: ج2، ص372.

[2] وسائل الشيعة: ج30، ص235.

[3] بحار الأنوار: ج19، ص35.

[4] كنز العمال: ج11، ص721.

[5] الخصال: ص303.

[6] بحار الأنوار: ج44، ص35.

[7] بحار الأنوار: ج31، ص196.

[8] النحل: 106.

[9] الكافي: ج2، ص219.

[10] كنز العمال: ج11، ص613.

[11] الخصال: ص464.

[12] كتاب سُليم بن قيس: ص199.

[13] مناقب آل أبي طالب ابن شهر آشوب: ج2، ص345.

[14] وقعة صفين المنقري: ص101.

[15] السقيفة وفدك لأبي بكر الجوهري: ص92.

[16] كفاية الأثر أبو القاسم علي بن محمد الخزّاز: ص 122.

[17] كفاية الأثر أبو القاسم علي بن محمد الخزّاز: ص 123.

[18] نهج البلاغة: خطبة: ص182.

[19] كتاب الفتوح أحمد بن أعثم الكوفي: ج3، ص160.