إنّ النبوّة هي رتبة لمن يتلقّى أخبار الغيب ليوصلها إلى الناس، والرسول هو: النبيّ الذي يأتي بشريعة خاصّة، وبوحي يوحى إليه؛ فهو أرفع مكانةً من النبيّ.. هذا عند أهل الاصطلاح، وقد يستعمل كلّ منهما في مقام الآخر تسامحاً ومجازاً.
وأمّا الإمام فهو: من كانت له مهمّة التطبيق وقيادة المجتمع البشري وتنفيذ الوحي، فهو أعلى رتبةً من النبيّ والرسول، وممّا يدلّ عليه - على سبيل المثال لا الحصر - أنّ الإمامة أعطيت لإبراهيم (عليه السلام) بعد مدّة طويلة من نبوّته ورسالته، وبعد خضوعه (عليه السلام) لأوامر امتحانيّة صعبة: (وَإِذِ ابتَلَى إِبرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)[1]، والمتيقّن: أنّه (عليه السلام) كان نبيّاً ورسولاً قبل هذه الامتحانات لتلقّيه الكلمات من ربّه وحياً.
وعليه ليس كلّ نبيّ إمام، بل بعض الأنبياء اتّسموا بصفة الإمام أيضاً، كما أنّه ليس كلّ إمام نبيّ، فأئمّتنا (عليهم السلام) أئمّة وأوصياء، وهم ليسوا بأنبياء.
وهنا يسأل البعض: إذا كان رتبة الإمامة أفضل من رتبة النبوة والنبي قد حاز الرتبتين كان من المناسب عند مناداته من قبل الباري عز وجل في القرآن الكريم بصفة الإمامة، في حين أنه تعالى شأنه ذكره بالنبوة والرسالة ولم نجد آية تذكر صفة الإمامة للنبي، وهذا يدل على أن النبوة أشرف من الإمامة؟
وهو سؤال وجيه، لكن جوابه ليس بصعب بعد معرفة بعض الخصوصيات والمتعلقات، وللعدول من الإمامة إلى النبوة أو الرسالة وجوه:
أولاً: إن الله تعالى أرسل النبي (صلى الله عليه وآله) مبشراً ونذيرا الإنذار والتبشير صفتان تتعلقان بالنبوة والرسالة فكان الأنسب ذكر الوصف الذي تتعلق به هذه المعاني.
ثانياً: ان حياة النبي (صلى الله عليه وآله) كانت فترة إثبات النبوة والرسالة والإمامة فرع التصديق والإيمان بها، فكيف يطلب منهم الإقرار بالإمامة وهم بعد لا يعتقدون بنبوته، نظير ما إذا قلنا أطع أباك زيد قبل إثبات أن زيداً أبوه، فالمشركون لما يفرغوا من كونه رسول حتى يقتنعوا بكونه إماماً.
ثالثاً: لو لا حظنا جنبة الوحي وهو الملك الذي يوحي للنبي (صلى الله عليه وآله) آيات الله فإنه يوحي له بعنوان كونه نبياً أو رسولاً، أي: أن الوحي من متعلقات النبوّة والرسالة، وهو الوحي يؤدي واجبه بهذا العنوان لا بعنوان الإمامة، فليس كل إمام يوحى إليه ولكن كل نبي يوحى إليه.
رابعاً: جرت العادة بين الأمم أن تسمي صاحب الرسالة الذي يبعث من قبل الله تعالى بالنبي أو الرسول ولذلك توجهت عناية المولى لهذه التسمية باعتبارها المتعارفة عند البشر بخصوص المبعوثين لهم من الله تعالى. بل إن النبي (صلى الله عليه وآله) يعرّف نفسه الكريمة بالنبوة لا بغيرها في مواقف عدة منها قوله وهو في حمئة الحرب: (أَنا النَّبِيُّ لَا كَذِب، أَنا ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِب)[2].
خامساً: إن خطاب الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله) بالنبوة أو الرسالة لا يعد انتقاصاً من شأن الإمامة أو تهوينا من قيمتها؟! فبإمكان أن نخاطب شخصاً له عدة ألقاب بلقب دون رتبة لقب آخر، لغرض يستدعي ذلك مع حفظ قيمة القب الأشرف، ولنا لذلك مثال من القرآن الكريم، فهو يذكر النبي (صلى الله عليه وآله) أحياناً بصفة العبد (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ)[3]، ولا يصح الاعتراض على هذا الذكر للنبي (صلى الله عليه وآله) مع أن لقب الرسول أو النبي أفضل من العبد، بل يوجد تفاضل بين ذكر الاسم الصريح وبين ذكر الضمير أو الموصول، وهي مطالب يعرفها أهل البلاغة فإنهم، يعدلون من خطاب إلى خطاب بحسب الأغراض والقصود.
سادساً: تبقى الحكمة لإلهية ما وراء كثير من المفاهيم والتعابير القرآنية بعد ما ثبت أفضلية صفة أو لقب على صفة أُخرى بالدليل والحجة..
مجلة اليقين العدد (49)