الزهراء (عليها السلام) مجمع الكمالات

هي امرأة لا كالنّساء، وهي امرأة تفوق الرّجال، أتت لعالمها الإنساني بجوهر ملكوتي، وعُجنت طينتها بنور عظمة الله، فتنوّرت السّماوات والأرض بنورها، فكانت نوراً معنوياً لنفوس الذّاكرين لها ولذريتها (عليها السلام)، وقد ورّثت ذلك النّور في الأئمّة (عليهم السلام) من ولدها إلى يوم القيامة «فلمْ يَزَلْ ذلكَ النُّورُ في وجْهِها حتّى وُلْدِ الحُسينِ (عليه السلام)، فهو يتقلّبُ في وجوهِنا إِلى يومِ القيامةِ في الأَئِمَّةِ مِنّا أَهْل البَيتِ، إِمامٍ بعدَ إِمامٍ»[1]. وهي تلك المكوّن الملكوتي العظيم، تكوّنت من ثمار الجنان، فهي حوراء إنسية، فاق حسنها كل حسن «لَوْ كَانَ الحُسْنُ شَخْصاً لَكَانَ فَاطِمَةَ، بَلْ هِيَ أَعْظَمُ، فَإِنَّ فَاطِمَةَ ابْنَتي خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ عُنْصُراً وَشَرَفاً وَكَرَماً»[2]. حَوَت من الفضائل ما لم يحوها ملك مقرّب، ولا جنٌ ولا إنسٌ، فُطم الخلق عن معرفتها، وتحيّرت العقول في تعداد فضائلها، خرقت الكمالات، وتحيّرت فيها الصفات، وهي حجّة على مَنْ جعلهم الله تعالى حججاً على جميع خلقه، وهي الصدّيقة الكبرى، ومن دارت على معرفتها القرون الأولى، الممتحنة قبل خلقها وتكوينها، والمصطفاة في جعلها وتصويرها، المهذّبة من كلّ دنس، والمبعد عنها كلّ رجس، أشبه الخلق بأبيها، وأقربهم له مودّةً ورحماً، كانت له دفأً وحناناً وأُمّاً، إذا اشتاق إلى الجنان شمّ عرفها، وإذا رام الراحة والطمأنينة ركن إليها، يستبشر بوجهها، ويسعد بلقياها، لا يقدم من سفرٍ حتّى يلقاها دون أهل بيته، ولا يودّعهم وإلّا وكانت آخرهم، هي رابطة النبوة العظمى والولاية الكبرى، بل لولاها ما كانا، «يا أحمد، لولاك لما خلقت الأفلاك، ولولا عليّ لما خلقتك، ولولا فاطمة لما خلقتكما»[3]. ومنها اشتقّ الباري أنوار الأئمّة (عليهم السلام)، وسلالة النُّبوّة، ومن وُلْدها إمام صلاح العوالم والخلائق، الذي يفتح الله تعالى على يديه، ويحقّق أهداف الرسالات، ويصل بالناس إلى أسمى الغايات، عندها يكون العدل والإصلاح فاطمياً مهدوياً بإذن الله جلّ وعلا.

مجلة اليقين العدد (59) 

 


[1] بحار الأنوار، العلامة المجلسي: ج43، ص11.

[2] فرائد السمطين، العلّامة الحموي: ج2، ص68.

[3] ملتقى البحرين، العلّامة المرندي: ص14.