المسجد الأزرق هو مسجد يقع في قلب مدينة مزار شريف في أفغانستان.
التاريخ:
المسجد قديم العهد أثري البنيان، وتعود شهرة المسجد ثم المدينة معاً بالمزار الشريف إلى أسطورة غير صحيحة لدى سكان مدينة بلخ الأفغانية، تشير إلى أن جثمان الإمام (علي بن أبي طالب(عليه السلام)) نقل سراً من النجف الأشرف بالعراق ليوارى الثرى بمقبرة داخل هذا المسجد الذي بات مزاراً مقدساً لدى سكان منطقة بلخ وجوارها، وهناك من يرى أن صاحب المرقد هو عمر بن علي بن أبي طالب، فالكثير من الأفغان يؤمن بأن موقع القبر هو ذلك المسجد التاريخي، ولقد قرّرت سلالة السلاجقة متمثلة بالسلطان أحمد سنجر إعادة بناء المسجد الأزرق لأول مرة في نفس موقعه، ثم تم تدمير المسجد على يد الغازي جنكيز خان في غزوه للمنطقة في حوالي عام 1220م، وقد أعيد بناؤه في القرن الخامس عشر من قبل السلطان حسين ميرزا بيغراه.
البناء:
تم تشييد المسجد الأزرق أو المزار الشريف عام 1512م، ولكنه جدد مرات عديدة عبر تاريخه ليستقر على هيئته الحالية.
وضعت خطة لإعادة بناء الموقع في عام 1910م، وقد تبيّن أنه كان هناك في وقت سابق منطقة مسوّرة أصغر في المسجد الذي دمر وكان يحيط به الحدائق في ذلك الوقت، على الرغم من أن البوابات لهذه المنطقة لا تزال بحالة جيدة وهي كبوابات الأضرحة، ثم أضيفت للمسجد مقابر ذات أبعاد متفاوتة لعدد من الزعماء السياسيين والدينيين الأفغان على مر السنين، الأمر الذي أدى إلى تطوير أبعاد جديدة للمسجد وللأضرحة، وتشمل هذه المقبرة مربع قبة الأمير دوست محمد ووزير أكبر خان والأمير شير علي وعائلته.
واستحق المسجد أن يسمى الأزرق لروعة كسوة جدرانه الخارجية وقبته الكبيرة ببلاطات من الخزف الملون بدرجات مختلفة من الأزرق وتعكس الزخارف النباتية والهندسية والكتابات النسخية في عقود الواجهة روح الفن الإسلامي.
مدينة مزار شريف:
مدينة مزار شريف ذاع صيتها مؤخراً في الأحداث العاصفة التي مرّت بها أفغانستان، وهي وريثة أمجاد (بلخ) الشهيرة في كتب التاريخ والتي تعرف بجنة الأرض بعد أن أصابها مرض الملاريا، بل هي محض نبت معاصر لإحدى جهاتها العتيقة.
وتعد مدينة (مزار شريف) اليوم رابع أكبر مدن أفغانستان من حيث عدد السكان، حيث يبلغ سكانها 183 ألف نسمة وهي عاصمة لولاية بلخ، وترتبط مزار شريف بالعاصمة الأفغانية كابول بواسطة طريق بري يبدأ عند جنوب شرق المدينة، وإلى الغرب منها تقع مدينة هرات أو حيرات، أما شمال المدينة فتوجد عنده حدود جمهورية أوزبكستان.
اسم المدينة المعروفة به في اللغة البشتونية هو اسم لمسجد تاريخي بها يسمى أيضاً المسجد الأزرق.
ويتحدث غالبية سكان مزار شريف اللغة الدرية ولغة الباشتو. تجذب المنطقة العديد من السياح لاحتوائها على آثار تاريخية إسلامية ويونانية قديمة.
وإذا كانت مزار شريف قد صارت في العصر الحديث عاصمة لإقليم بلخ، فإن ذلك لا ينفي أن بلخ كانت المدينة الأقدم والأصل في نشأة مزار شريف رغم أنها تبدو اليوم كقرية قديمة مهجورة على بعد 20 كم إلى الشمال الغربي وتبعد هذه المدينة عن نهر (آمودريا) المعروف في كتب الجغرافيين بنهر (جيحون) بنحو 74 كم ومنه يتدفق أحد روافده عبر المدينة.
وبلخ المهجورة حاليا بها تل يعرف باسم (تل حمران)، وكان الأفغانيون يعتقدون أن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قد دفن سرا فيه، ثم تم نقل الجثمان حسب اعتقادهم ليدفن في قبره الحالي بالمسجد الأزرق.
وقد لعبت الصدفة التاريخية دورها في نقل عاصمة ولاية بلخ من المدينة التاريخية العتيقة إلى الضاحية المشيد بها المزار الشريف عندما اجتاح وباء (الملاريا) بلخ في عام 1870م وقضى على أغلب سكانها فأعلنت منطقة منكوبة وأخذت (مزار شريف) ما تبقى من دور لها. وتشير التقديرات إلى أن عدد سكان (مزار شريف) في عام 1911م لم يكن يتجاوز 500 ولم يكن بها سوى سوق واحدة وسط أنقاض القرية القديمة.
وتعود شهرة بلخ التي ورثتها مزار شريف إلى العصور الموغلة في القدم فهي من المواقع التي ازدهرت بها الحضارة الهلينية في أعقاب غزوات الإسكندر المقدوني وما زالت آثار تلك الفترة باقية بها وتجتذب الزوار من أوروبا خاصة لمشاهدتها.
وقبل الفتح الإسلامي لبلخ كانت من المراكز الدينية المهمة في تلك المنطقة حيث نشأت بها مراكز كبيرة لديانات البوذية والزرادشتية أو عبادة النار.
وقد أقام الزرادشت بها معبداً ارتفاعه 300 متر حتى أنه كان يرى من مدينة ترمذ بأوزبكستان وتذكر كتب التاريخ أن كتاب الزرادشت (الأفستا) كتب هناك بماء الذهب على جلود عشرة آلاف بقرة وأن العرب عندما دخلوا بلخ أحرقوا صفحات كثيرة منه وتبقى ثلاثة آلاف قطعة علما بأن الأفستا توجد حالياً في خمسة مجلدات.
أما البوذية فقد انتشرت في بلخ قديماً عقب قيام أحد ملوك الهند بإنشاء معبد هناك أطلق عليه اسم (نوبهار بلخ) وقد هدم عقب فتح بلخ ويعتقد أن الجد الأعلى لأسرة البرامكة كان سادناً أو برمكاً لهذا المعبد.
وقد عرفت بلخ القديمة بعدة أسماء عقب افتتاحها فهي (قبة الإسلام) لأن أهلها دخلوا طوعاً في الإسلام ولم يحاربوا جيش الفتح تحت قيادة الأحنف بن قيس. وعرفها المؤرخون بأنها (جنة الأرض) لجودة تربتها وثرائها وكانت تنتج مختلف أنواع الأشجار والفواكه والخضر كما سميت (خير التراب) لأن ترابها كان مفضلا في صناعة الفخار والخزف بيد أن أهم أسمائها التاريخية هو (أم البلاد) لأنها أقدم بلد في المنطقة، وكانت منطلقاً للغزوات في تلك الناحية.
موقع بلخ الفريد عند ملتقى شعوب وثقافات آسيوية عدة إيرانية وهندية وتركية ومغولية قد جر عليها ويلات لم تسلم منها إلى يومنا هذا فهي دوماً في قلب الأحداث والصراعات، فقد تعرضت للهدم والتدمير الشامل 22 مرة آخرها على يد المغولي (جنكيز خان) في القرن السابع الهجري (13م).
وخضعت مزار شريف لعناصر الأفغان في عام 1852م وأصبحت في عام 1869م حاضرة كبيرة من حواضر منطقة تركستان الأفغانية وفي السنوات الأخيرة عرف اسم مزار شريف على المستوى الدولي منذ الغزو السوفيتي لأفغانستان حيث شيدت على مقربة منها قاعدة (دهداي) المركزية عام 1979م.
وتمثل مزار شريف اليوم قاعدة إدارية وسياسية لولاية بلخ إحدى الولايات الأربع والثلاثين في أفغانستان وتصل مساحة هذه الولاية إلى 17249 كم2، وهي تبعد نحو 56 كم من الحدود الجنوبية لأوزبكستان بينما يصل ارتفاعها إلى حوالي 1250 قدماً عن سطح البحر. وتعد إحدى المناطق الخصبة في أفغانستان، حيث تنتج القمح والقطن والفواكه فضلاً عن شهرتها التقليدية بإنتاج الحرير.
ويشكل الطاجيك أغلبية سكان مزار شريف بل وولاية بلخ كلها ثم يأتي ذوو الأصول الأوزبكية في المرتبة الثانية مع أقلية من عناصر البشتون.
المصدر: بيوت المتقين (32) شهر شعبان 1437هـ