الغناء وآثاره

عندما يعتاد الإنسان على سلوك معين تهون عليه مخاطره، ويتناسى سيئاته، حتى يصل إلى مرحلة الغفلة التامة عن قبح ذلك السلوك، فإذا أعمل الشيطان حيلته وغوايته عَمِيت البصيرة وتغيّر الميزان واعتاد الإنسان على المعاصي.

ومن مظاهر هذه العادات السيئة استماع الغناء، فإنه من آفات الفكر يذهب بالإنسان إلى إشباع رغبات النفس وتفعيل الغرائز بلا ميزان عقلائي، مما يعرقل التفكير في الحياة وتطويرها بجدية وحزم.

والغناء وهو الكلام اللهويّ ـ شعراً كان أو نثراً ـ الذي يؤتى به بالألحان المتعارفة عند أهل اللهو واللعب، وفي مقوّميّة الترجيع والمدّ له إشكال، والعبرة بالصدق العرفيّ، ولا يجوز أن يقرأ بتلك الألحان القرآن المجيد والأدعية والأذكار ونحوها.

وهذا المعنى موجود في تاريخ الأقوام والشعوب التي كانت تستعمل الغناء في محافلها، فكانت الجواري والمغنين في قصور الخلفاء من بني أميّة وبني العباس وغيرهم يمارسون الغناء بالألفاظ المثيرة المصاحبة للموسيقى، ولم تتوقف هذه الطريقة السيئة إلى زماننا هذا حيث يلازم الغناء بشكل عام وعلى اختلاف اللغات والألسنة اللهو والطرب مع الاختلاف في نوعية الموسيقى المصاحبة والمقارنة له.

وهنا نقول إن جميع شعوب العالم تعتمد على فئة الشباب في تقويم حياتها؛ لأنهم يمثلون قادة المستقبل بتوجهاتهم ونضجهم الفكري، مع ما يتمتعون به من الطاقة والصحة الجسدية السليمة، وهي مقومات تسير بركب الحياة إلى الإمام، فبالعلم يرتقوا ويفكروا، وينتجوا، ويساهموا بالعطاء الفكري، ليكونوا في المستقبل قادة خبراء، ويكون لهم تأثير فاعل في مختلف شرائح المجتمع، فالشباب عماد أي أمة وسر نهضتها، وبُناة حضارتها.

وقضاء الوقت بالكلام اللهوي الذي يحاكي الغريزة والشهوة يقتل هذا الإبداع المنتظر من شبابنا، ويصرف الطاقة والحيوية بعيداً عن نفع المجتمع، بالتالي ينتج عندنا جيل يعيش حياته بنسبة كبيرة من الخمول والكسل، ولا يرفد مجتمعه بغير التراجع والفشل.

وربما يكون هذا أحد أسباب النهي عن الغناء في شريعتنا الإسلامية، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى:

(ذَٰلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) حيث ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أن المراد من -قول الزور- الغناء، ثم قال (عليه السلام): (إن المؤمن عن جميع ذلك لفي شغل، ما له والملاهي؟ فإن الملاهي تورث النفاق)[1].

وسئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن الغناء؟ (فقال: لا تدخلوا بيوتاً، الله معرض عن أهلها)[2].

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) (أنه سأله بعض أصحابه فقال: جعلت فداك إن لي جيراناً، ولهم جوار مغنيات يتغنين ويضربن بالعود، فربما دخلت بيت الخلاء فأطيل الجلوس استماعاً مني لهم؟ فقال الإمام (عليه السلام) (لا تفعل)، قال الرجل: والله ما هو شيء آتيه برجلي (أي أستمع باختياري أو أذهب بإرادتي)، إنما هو أسمع بإذني؟ فقال: بالله أنت، أما سمعت قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) وأروي في تفسير هذه الآية: انه يسأل السمع عما سمع، البصر عما نظر، والقلب عما عقد عليه)[3].

والخلاصة، لا تريد أمتنا العريقة بثقافتها وحضارتها أن ترى شبابها بلا قيم أو مبادئ، منشغلين بسفاسف الأمور، بعيدين عن أحكام الله تعالى، لأنها ستكون حينئذٍ أمة ضعيفة، مفككة الأوصال، سرعان ما تنهار، وتصبح معرضة للمحن والفتن وقانا الله شرها.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (43)

 


[1] بحار الأنوار: ج79، ص239.

[2] الكافي، الكليني: ج6، ص434.

[3]فقه الإمام الرضا (عليه السلام): ص281.