حقيقة الزواج

من حسنات الأمور اليوم مسألة الزواج المبكر الأمر الذي لم يكن حاصلاً في ثمانينيات هذا القرن، خصوصاً في المدينة، وهو من الأمور الجيدة، كونها تحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي بوقت حاجة الشباب إليه أشد الحاجة، لكن معظم الشباب لا يلتفت الى حقيقة الزواج وسر جعله في الشريعة من المستحبات المؤكدة، وإنما يعرف منه ذلك المعنى السطحي الذي يقوم على الاقتران بإمرأة يسميها شريكة حياته وإنجاب الأطفال لا غير. 

ونحن لا ننكر هذا المفهوم للزواج بل ننكر الاقتصار عليه وترتيب آثار النجاح والفشل في هذا المشروع عليه.

نعم، تشكل الحاجة الجنسية حيّزاً مهماً من فكر الإنسان لأنها من الحاجات الأساسية التي تزاحم الحاجة الى الغذاء، ولو فكّرنا في التخلص من ضغطها النفسي والبيولوجي نجد أنفسنا أمام طريقين:

 الأول: قمع هذه الحاجة وقتلها في النفس والعمل على إخراجها من طبع الإنسان.

الثاني: السعي نحو مشروع الإباحة المطلقة وإعطاء هذه الحاجة سؤلها كيفما كانت.

وهذان الطريقان لا تخفى مفاسدهما على أحد، ولا أحد يتبنى أحدهما إلا من مات فيه ضمير الإنسانية.

لذلك كان للوحي طريق ثالث وسط بين الإفراط والتفريط، الطريق الذي يحقق الاكتفاء النفسي والبيولوجي للإنسان من هذه الناحية بما لا يتعارض مع كمال وتكريم الإنسان من جهة ومع بناء مجتمع متماسك ومتوازن من جهة أخرى.

لقد أتقن الله تعالى خلق الذكر والأنثى على نحو التكميل والتكامل بالآخر، فيتحابا ويسكن أحدهما إلى الآخر، وضمن لهما حق السعي المشترك لتحصيل الاطمئنان وهدوء النفس وراحة البال بالتواجد في نظام أسري صحيح رسمته رسالة الإسلام للوصول الى الاتزان النفسي ودفع القلق.

إن الرحمة والمودة والرأفة التي وردت في القرآن الكريم أمور دقيقة ورقيقة لابد من أن تكون مفعّلة ولابد من المحافظة عليها فرُبّما كلمة مَنٍّ أو أذى تهدم المحبة لعدة سنين. وقد تخرج كلمة في غير موقعها، فتهدم سعادة أسرة بأكملها.

وقد يؤدي سوء الظن إلى زعزعة الثقة وقطع أواصر المحبة بين أفراد الأسرة.

إن الحفاظ على نظام الأسرة من واجبات كلا الطرفين الزوج والزوجة وهو يقوم على الصبر والشكر اللذين هما ركنا الإيمان.

وليس في الشرع المقدس الإسلامي إشكال في إنشاء أسرة من أجل إرضاء الغرائز الجنسية، كما قلنا، بل هي مسألة تدخل جزئياً ضمن حقيقة الزواج التي تكمن في سعي الإنسان الى التكامل النفسي والاجتماعي، فإذا نظر الزوجان بأفق أوسع وجدا لهما مكاناً هاماً في المجتمع وشعرا بمسؤوليات أخرى تستدعي منهما المشاركة الفاعلة في جميع النواحي الاجتماعية والأخلاقية والتربوية، خصوصاً في عالم اليوم الغارق في وسائل التواصل وطرق المواصلات التي تجعل من العالم قرية صغيرة كما يعبرون، وكل هذا تتمثل الوحدة الأساسية في تحقيق الكمال فيه في الأسرة.

ولو حاولنا الوقوف على أسباب الفشل الاجتماعي من الناحية التربوية والثقافية، لوجدنا الفشل في إدارة الأسرة والاستخفاف بدورها المثالي في تحصيل الكمال من أهم الأسباب في ذلك، ولو يدرك الشباب هذه الحقيقة وجدّوا في علاجها لعشنا جميعاً في سرور ومحبةً وأمان.