المساقاة هي: اتّفاق شخص مع آخر على رعاية أشجار ونحوها وإصلاح شؤونها إلى مدّة معيّنة بحصّة من حاصلها.
مسألة 521: يشترط في المساقاة أُمور :
الأوّل: الإيجاب والقبول، ويكفي فيهما كلّ ما يدلّ على المعنى المذكور من لفظ أو فعل أو نحوهما، ولا تعتبر فيهما العربيّة ولا الماضويّة.
الثاني: أن يكون المالك والفلّاح بالغين عاقلين مختارين غير محجورين لسفه أو تفليس، نعم لا بأس بكون الفلّاح محجوراً عليه لفَلَسٍ إذا لم تستلزم المساقاة تصرّفه في أمواله التي حجر عليها.
الثالث: أن تكون أُصول الأشجار مملوكة عيناً ومنفعة أو منفعة فقط أو يكون تصرّفه فيها نافذاً بولاية أو وكالة أو تولية.
الرابع: أن تكون معلومة و معيّنة عندهما.
الخامس: تعيين مدّة العمل فيها إمّا ببلوغ الثمرة المساقى عليها مع تعيين مبدأ الشروع وإمّا بالأشهر أو السنين بمقدار تبلغ فيها الثمرة غالباً، فلو كانت أقلّ من هذا المقدار بطلت المساقاة.
السادس: أن يجعل لكلٍّ منهما نصيب من الحاصل، وأن يكون محدّداً بأحد الكسور كالنصف والثلث، ولا يعتبر في الكسر أن يكون مشاعاً في جميع الحاصل كما تقدّم نظيره في المزارعة، وإن اتّفقا على أن تكون من الثمرة عشرة أطنان مثلاً للمالك والباقي للفلّاح بطلت المساقاة.
السابع: تعيين ما على المالك من الأُمور وما على العامل من الأعمال، ويكفي الانصراف - إذا كان - قرينة على التعيين.
الثامن: أن تكون المساقاة قبل ظهور الثمرة، أو بعده قبل البلوغ إذا كان قد بقي عمل يتوقّف عليه اكتمال نموّ الثمرة أو كثرتها أو جودتها أو وقايتها من الآفات ونحو ذلك، وأمّا إذا لم يبق عمل من هذا القبيل وإن احتيج إلى عمل من نحو آخر كاقتطاف الثمرة وحراستها أو ما يتوقّف عليه تربية الأشجار ففي الصحّة إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.
مسألة 522: تصحّ المساقاة في الأُصول غير الثابتة كالبطّيخ والخيار .
مسألة 523: تصحّ المساقاة في الأشجار غير المثمرة إذا كانت لها حاصل آخر من ورق أو ورد ونحوهما ممّا له ماليّة يعتدّ بها عرفاً كشجر الحنّاء الذي يستفاد من ورقه.
مسألة 524: يصحّ عقد المساقاة في الأشجار المستغنية عن السقي بالمطر أو بمصّ رطوبة الأرض إذا احتاجت إلى أعمال أُخرى ممّا تقدّم بيانها في الشرط الثامن.
مسألة 525: يجوز اشتراط شـيء من الذهب أو الفضّة أو غيرهما للعامل أو المالك زائداً على الحصّة من الثمرة، وهل يسقط المشروط مع عدم ظهور الثمرة كلّاً أو بعضاً أو تلفها بعد الظهور كذلك، أو أنّه يقسط بالنسبة إذا ظهر أو سلّم البعض دون البعض، أو أنّه لا ينقص منه شـيء على كلّ حال فيستحقّه المشروط له بتمامه؟ وجوه والصحيح هو الوجه الأخير، إلّا مع اقتضاء الشرط خلافه ولو لانصراف إطلاقه إلى غيره.
مسألة 526: يجوز تعدّد المالك واتّحاد العامل فيساقي الشريكان عاملاً واحداً، ويجوز العكس فيساقي المالك الواحد عاملين بالنصف له مثلاً والنصف الآخر لهما، ويجوز تعدّدهما معاً.
مسألة 527: خراج الأرض على المالك إلّا إذا اشترطا كونه على العامل أو عليهما معاً.
مسألة 528: يملك العامل مع إطلاق العقد الحصّة في المساقاة من حين ظهور الثمرة، و إذا كانت المساقاة بعد الظهور ملك الحصّة من حين تحقّق العقد.
مسألة 529: يبطل عقد المساقاة بجعل تمام الحاصل للمالك ومع ذلك يكون تمام الحاصل والثمرة له، وليس للعامل مطالبته بالأجرة حيث أنّه أقدم على العمل في هذه الصورة مجّاناً، وأمّا إذا كان بطلان المساقاة من جهةٍ أُخرى وجب على المالك أن يدفع للعامل أجرة مثل ما عمله حسب المتعارف.
مسألة 530: عقد المساقاة لازم، لا يبطل ولا ينفسخ إلّا بالتقايل والتراضي، أو الفسخ ممّن له الخيار ولو من جهة تخلّف بعض الشروط التي جعلاها في ضمن العقد، أو بعروض مانع موجب للبطلان.
نعم إذا أذن شخص لآخر في رعاية أشجاره وإصلاح شؤونها على أن يكون الحاصل بينهما بالنصف أو الثلث أو نحوهما صحّ ذلك مساقاة.
ولكنّها تختلف عن المساقاة المصطلحة في بعض الأحكام، وكذلك الحال لو أذن لكلّ من يتصدّى لرعاية أشجاره وإصلاح شؤونها وإن لم يعيّن شخصاً معيّناً بأن يقول: (لكلّ من رعى الأشجار وأصلح شؤونها هذه نصف حاصلها أو ثلثه) نظىر ما تقدّم في المسألة (494).
مسألة 531: إذا مات المالك قام وارثه مقامه ولا تنفسخ المساقاة، وإذا مات العامل قام وارثه مقامه إن لم تؤخذ المباشرة في العمل قيداً ولا شرطاً، فإن لم يقم الوارث بالعمل ولا استأجر من يقوم به فللحاكم الشرعيّ أن يستأجر من مال الميّت من يقوم بالعمل ويقسّم الحاصل بين المالك والوارث.
وأمّا إذا أخذت المباشرة في العمل قيداً انفسخت المعاملة، كما أنّها إذا أخذت شرطاً كان المالك بالخيار بين فسخ المعاملة والرضا بقيام الوارث بالعمل مباشرة أو تسبيباً.
مسألة 532: الأعمال التي تحتاج إليها البساتين والنخيل والأشجار في إصلاحها وتعميرها واستزادة ثمارها وحفظها على قسمين:
الأوّل: ما يتكرّر في كلّ سنة، مثل إصلاح الأرض وتنقية الأنهار وإصلاح طريق الماء وإزالة الحشيش المضرّ وتهذيب جرائد النخل والكَرْم والتلقيح واللقاط والتشميس وإصلاح موضعه وحفظ الثمرة إلى وقت القسمة وغير ذلك.
الثاني: ما لا يتكرّر غالباً كحفر الآبار وشقّ الأنهار وبناء الحائط والدولاب والدالية ونحو ذلك.
ومقتضى إطلاق عقد المساقاة أنّ القسم الثاني على المالك، وأمّا القسم الأوّل فمقتضى إطلاقه كونه على العامل والمالك معاً لا على خصوص واحد منهما، نعم إذا كان هناك تعيين أو انصراف في كون شـيء على العامل أو المالك - ولو لأجل جريان العادة عليه - فهو المتَّبع.
مسألة 533: إذا خالف العامل فترك ما اشترط عليه من بعض الأعمال فللمالك إجباره على العمل المزبور كما أنّ له حقّ الفسخ من جهة تخلّف الشرط وإن فات وقت العمل، وهل له أن لا يفسخ ويطالبه بأجرة العمل المشروط عليه؟ فيه إشكال فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط في ذلك.
مسألة 534: لا يعتبر في المساقاة أن يكون العامل مباشراً للعمل بنفسه إن لم يشترط عليه المباشرة، فيجوز له أن يستأجر شخصاً في بعض أعمالها أو في تمامها وعليه الأجرة، كما أنّه يجوز أن يشترط كون أجرة بعض الأعمال على المالك.
مسألة 535: إذا كان البستان مشتملاً على أنواع من الأشجار كالنخل والكَرْم والرمّان ونحوها من أنواع الفواكه فلا يعتبر العلم بمقدار كلّ واحد من هذه الأنواع تفصيلاً في صحّة المساقاة عليها، بل يكفي العلم بها إجمالاً بمشاهدة أو نحوها.
مسألة 536: لا فرق في صحّة المساقاة بين أن تكون على المجموع بالنصف أو الثلث أو نحوهما، وبين أن تكون على كلّ نوع منها بحصّة مخالفة لحصّة نوع آخر، كأن يجعل في النخل النصف مثلاً وفي الكَرْم الثلث وفي الرمّان الربع وهكذا.
مسألة 537: تصحّ المساقاة مردّداً مثلاً بالنصف إن كان السقي بالآلة وبالثلث إن كان السقي بالسيح، ولا يضرّ هذا المقدار من الجهالة بصحّتها.
مسألة 538: إذا ظهر بطريق شرعيّ أنّ الأُصول في عقد المساقاة مغصوبة فعندئذٍ إن أجاز المالك المعاملة صحّت المساقاة بينه وبين العامل، وإلّا بطلت وكان تمام الثمرة للمالك، وللعامل أجرة المثل يرجع بها إلى الغاصب إذا كان جاهلاً بالحال، إلّا إذا كان مدّعياً عدم الغصبيّة وأنّ الأُصول للمساقي وقد أخذ المدّعي الثمرة منه ظلماً.
مسألة 539: إذا كان ظهور غصب الأُصول بعد تقسيم الثمرة وتلفها فعندئذٍ للمالك أن يرجع إلى الغاصب فقط بتمام عوضها، وله أن يرجع إلى كلٍّ منهما بمقدار حصّته، وليس له أن يرجع إلى العامل بتمام العوض إلّا مع ثبوت يده على تمام الثمرة.
مسألة 540: تجب الزكاة على كلٍّ من المالك والعامل إذا بلغت حصّة كلٍّ منهما حدّ النصاب فيما إذا كانت الشركة قبل زمان الوجوب وإلّا فالزكاة على المالك فقط.
مسألة 541: إذا اختلف المالك والعامل في اشتراط شـيء على أحدهما وعدمه فالقول قول منكره بيمينه، ولو اختلفا في صحّة العقد وفساده قدّم قول مدّعي الصحّة بيمينه.
مسألة 542: لو اختلف العامل والمالك في مقدار حصّة العامل فالقول قول المالك المنكر للزيادة بيمينه، وكذا الحال فيما إذا اختلفا في المدّة، وأمّا إذا اختلفا في مقدار الحاصل زيادة ونقيصة بأن يطالب المالك العامل بالزيادة فالقول قول العامل بيمينه، وكذا لو ادّعى المالك على العامل الخيانة أو السرقة أو الإتلاف أو كون التلف بتفريط منه.
مسألة 543: تقديم قول المالك أو العامل بيمينه في الموارد المتقدّمة منوط بعدم مخالفته للظاهر، مثلاً لو اختلفا في مقدار حصّة العامل فادّعى المالك قلّتها بمقدار لا يجعل عادة لعامل المساقاة كواحد في الألف وادّعى العامل الزيادة عليه بالمقدار المتعارف قدّم قول العامل بيمينه، وهكذا الحال في سائر الموارد.
مسألة 544: تصحّ المغارسة وهي: أن يدفع أرضاً إلى الغير ليغرس فيه أشجاراً على أن يكون الحاصل لهما، سواء اشترط كون حصّة من الأرض أيضاً للعامل أم لا، وسواء كانت الأُصول من المالك أم من العامل، والأحوط الأولى ترك هذه المعاملة، ويمكن التوصّل إلى نتيجتها بمعاملة لا إشكال في صحّتها كإيقاع الصلح بين الطرفين على النحو المذكور، أو الاشتراك في الأُصول بشرائها بالشركة ثُمَّ إجارة الغارس نفسه لغرس حصّة صاحب الأرض وسقيها وخدمتها في مدّة معيّنة بنصف منفعة أرضه إلى تلك المدّة أو بنصف عينها مثلاً.