مكة والشياطين

أربع وستون سنة للهجرة، فترة قصيرة ليفقد المسلم آخر ذرة إيمان واحترام للإسلام ومقدسات المسلمين، ليملأ قلبه كفراً يحرق به كعبة الإسلام.

إنهم الشياطين بجسوم وهيئات بشرية، عبد الله بن الزبير يمتنع عن مبايعة يزيد الفاجر الذي تسلط على البلاد والعباد بالظلم والجور.

يزيد بن معاوية يتألم ويخاف على دولته التي قامت على جماجم الأتقياء من الزبيريين ومن والاهم.

يزيد بن معاوية يجهّز جيش الشياطين الذين مرقت قلوبهم من الإسلام مروق السهام عن القوس، وباعوا الهدى بالضلالة، فتقلدوا ضمائرهم المتسخة بأنفاس البلاط الأموي المشحونة بكره القيم الإسلامية والإنسانية.

الحصين بن نمير، على رأس ذلك الجيش الأسود، ومن ذا يمكن أن يختار يزيد الفاجر ممثلاً ووكيلاً عنه في القتل واستباحة الحرمات إلا أن يكون نسخة ناصعة من وحشيته وكفره؟ ومن يمكن أن يقدم على حرب الله والمقدسات متباهياً فخوراً بإحراق الكعبة المعظمة.

 سار الحصين بن نمير حتّى أتى مكّة ليعرض بيعة الزبيريين ليزيد، أو يشعل حرباً لا تعرف الحق والدين والصلاح إلا عدوّاً، فأحاط بمكّة أول الأمر منتظراً ما يفعل الزبيريون، لكن عبد الله بن الزبير لم يستسلم، فهو كذلك طالب للحكم والدنيا، فعاذ بالبيت الحرام لكسب الرأي العام الإسلامي ضد الجيش الأموي.

لم يتوانَ الحصين ولم يرَ أدنى مانع يقف أمامه من الهجوم على البيت الحرام؛ إرضاءً لبني أميّة، فجاء بالمجانيق والعرّادات، وأمر جيش الشام بنصبها على جبل أبي قبيس، ووجّهها نحو بيت الله الحرام، وأمر برمي الأحجار ومشّاقات الكتّان المشتعلة بالنار نحو الكعبة المشرفة، فانهدمت الكعبة أجزاء من بنائها، واحترقت فيها الأخشاب والفرش والأستار.

فنادى حينئذٍ عبد الله بن عمير الليثي قاضي ابن الزبير بأعلى صوته: يا أهل الشام!. هذا حرم الله الّذي كان مأمنا في الجاهلية، يأمن فيه الطير والصيد. فاتقوا الله يا أهل الشام.

فصاح الشاميون: الطاعة الطاعة [أي ليزيد]!. الكرّة الكرة!. الرواح قبل المساء!.

فلم يزل على ذلك حتى أحرقت الكعبة. وكان حريقها في الثالث من شهر ربيع الأول، سنة 64 هـ[1].

مجلة ولاء الشباب العدد (67)


[1] ينظر: الحسين (عليه السلام) في مواجهة الضلال الأموي، سامي البدري: ج1، ص257.