نعتقد: أنّ الاِمامة كالنبوّة؛ لا تكون إلاّ بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الامام المنصوب بالنص إذا أراد أن ينص على الامام من بعده.
وحكمها في ذلك حكم النبوّة بلا فرق، فليس للناس أن يتحكَّموا فيمن يعيّنه الله هادياً ومرشداً لعامّة البشر، كما ليس لهم حق تعيينه، أو ترشيحه، أو انتخابه؛ لاَنّ الشخص الذي له من نفسه القدسية استعداد لتحمّل أعباء الامامة العامّة وهداية البشر قاطبة يجب ألا يُعرف إلاّ بتعريف الله ولا يُعيَّن إلاّ بتعيينه[1].
ونعتقد: أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم نصّ على خليفته والامام في البرية من بعده، فعيَّن ابن عمه علي بن أبي طالب أميراً للمؤمنين، وأميناً للوحي، وإماماً للخلق في عدّة مواطن، ونصّبه، وأخذ البيعة له بإمرة المؤمنين يوم الغدير فقال: «ألا مَن كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه كيفما دار»[2].
ومن أوّل مواطن النص على إمامته قوله حينما دعا أقرباءه الاَدنين وعشيرته الاَقربين فقال: «هذا أخي، ووصيي، وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطعيوا»[3] وهو يومئذٍ صبي لم يبلغ الحلم.
وكرِّر قوله له في عدّة مرّات: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبي بعدي»[4].
إلى غير ذلك من روايات وآيات كريمة دلَّت على ثبوت الولاية العامّة له، كآية: (إنَّما وَليُّكُم اللهُ ورَسوُلُهُ والَّذينَ آمنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَلَوةَ ويؤُتُونَ الْزَّكَوةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[5]، وقد نزلت فيه عندما تصدَّق بالخاتم وهو راكع[6].
ولا يساعد وضع هذه الرسالة على استقصاء كلّ ما ورد في إمامته من الآيات والروايات، ولا بيان وجه دلالتها[7].
ثمّ إنّه عليهالسلام نص على إمامة الحسن والحسين[8]، والحسين نص على إمامة ولده علي زين العابدين، وهكذا إماماً بعد إمام، ينصّ المتقدِّم منهم على المتأخِّر إلى آخرهم وهو أخيرهم على ما سيأتي.
[1] وقد مرّ أنّ الامام كالنبي إلاّ أنّ النبي يوحى إليه والامام لا يوحى إليه.
[2] انظر: المصنّف لابن أبي شيبة: 12/67 ح12140 و68 ح12141، سنن ابن ماجه: 1/43 ح116، سنن الترمذي: 5/633 ح3713، السنة لابن أبي عاصم: 591 ح1361، مسند أحمد: 1/118 - 119 و4/281 و368 و370 و372، خصائص النسائي: 102/88، أنساب الاَشراف للبلاذري: 2/156 ح169، كشف الاَستار للبزار 3/190 - 191، المعجم الكبير للطبراني: 3/21 ح3052 و4/173 ح4053، والمعجم الصغير: 1/65، مستدرك الحاكم: 3/109، أخبار اصفهان: 1/107 و2/228، تأريخ بغداد: 7/377 و14/ 236، المناقب لابن المغازلي: 16 - 27 ح23 و26 و27 و29 و33 و37 و38، شواهد التنزيل للحسكاني: 1/157 ح211، تاريخ دمشق لابن عساكر - ترجمة الامام علي عليهالسلام: 2: 38 - 84، تذكرة الخواص: 36، اسد الغابة: 1/367 و4/28، ذخائر العقبى: 67، الاِصابة: 1/304، وللمزيد من الاطلاع على المصادر، راجع كتاب الغدير للشيخ الاميني، وكتاب احقاق الحق، وكتاب عبقات الاَنوار، وكتاب دلائل الصدق، وغيرها كثير.
[3] انظر: أمالي الصدوق: 523، إعلام الورى: 167، إحقاق الحق: 4/297، مسند أحمد: 1/111 و159، خصائص النسائي: 83/66، تاريخ الطبري: 2/319، تفسير الطبري: 19/74. وراجع أيضاً: شواهد التنزيل: 1/420، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 3/267، ينابيع المودة: 1/104، الكامل: 2/62، مجمع الزوائد: 8/302، وغيرها ممّا لا يتيسّر حصره.
[4] انظر: المصنّف لابن أبي شيبة: 12/60 ح12125 و61 ح12126، التاريخ الكبير للبخاري: 1/115 ح333 و7/301 ح1284، صحيح مسلم: 4/1870 ح2404، سنن الترمذي: 5/640 ح3730، السنة لابن أبي عاصم: ذكره باسانيد مختلفة من حديث رقم 1333 - 1348، مسند أحمد: 1/179 و3/32 و6/438، خصائص النسائي 68 - 79 ح 45 و48 و50 و51و 62و 63 و64، حلية الاَولياء: 4/345 و7/195 و196، تاريخ اصفهان: 2/281 و328، المعجم الكبير للطبراني: 1/146 ح328 و148 ح333 و334 و2/247 ح2035 و4/17 ح3515 و11/74 ح11087 و24/146 ح384 - 389، والمعجم الصغير: 2/53 - 54، تأريخ بغداد: 1/325 و3/406 و8/53 و9/365 و10/43 و12/323، الاستيعاب: 3/34، المناقب لابن المغازلي: 27 - 36 ح40 - 56، تاريخ دمشق - ترجمة الامام علي عليهالسلام: 1/306 - 390، مجمع الزوائد: 9/109، وغيرها كثير.
[5] المائدة 5: 55.
[6] انظر: تفسير فرات الكوفي: 40: 41، أمالي الصدوق: 107/4، تفسير التبيان للطوسي: 3/559، الاحتجاج للطبرسي: 2/489، تفسير الطبري: 6/186، أسباب النزول للواحدي: 113، المناقب لابن المغازلي: 312 ح356 و313 ح357، المناقب للخوارزمي: 264، تذكرة الخواص: 24، تفسير الرازي: 12/26، كفاية الطالب: 250، ذخائر العقبى: 88، الفصول المهمة: 124، جامع الاصول: 8/664.
[7] راجع كتاب السقيفة للمؤلف [النص على علي بن أبي طالب عليهالسلام: 59 - 73] فيه بعض الشروح لهذه الشواهد القرآنية وغيرها.
[8] بالاضافة إلى ما ورد عن الرسول صلىاللهعليهوآله فيهما، حيث تواتر عنه أنّه قال: «ابناي هذان إمامان، قاما أو قعدا».
انظر: النكت: 48، علل الشرائع: 1/211، الارشاد: 220، كفاية الاَثر: 117، التحف لمجد الدين: 22، ينابيع النصيحة: 237 حيث قال فيه: (لا شبهة في كون هذا الخبر ممّا تلقّته الاُمّة بالقبول وبلغ حدّ التواتر، فصح الاحتجاج به)، وقال فيه ابن شهر آشوب في مناقبه: 22: (أجمع عليه أهل القبلة).