ما إن فتح الله على يد رسوله الكريم محمد(صلى الله عليه وآله) مكة، و هو بعدُ لم يمكُث فيها إلا خمسة عشر يوماً حتى بلغه أن هوازن - قبيلة من قيس، تنس ب إلى زعيمها هَوَازِن بن منصور بن عكرمة - و ثقيف قد جمعت بحُنين جمعاً كثيراً و رئيسهم مالك بن عوف النصري يريدون مقاتلة المسلمين، فعزم النبي(صلى الله عليه وآله)
على الخروج إليهم، فخرج إليهم في يوم الأحد النصف من شهر شوال 2 عام الفتح أي العام الثامن بعد الهجرة.
لماذا سميت هذه الغزوة بحُنَيْن؟
أما سبب تسمية هذه الغزوة بغزوة حنين فيعود إلى أن الكثير من الغزوات والحروب سميت بأسماء الأمكنة والبقاع التي دارت عليها المعارك والحروب، ومنها هذه الغزوة، وحنين وادٍ بين مكة والطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً، إلى جنب ذي المجاز[1]، دارت عليها رحى الحرب في هذه الغزوة.
استعدّ النبي(صلى الله عليه وآله) لهذه الغزوة، فأخذ من صفوان بن أمية مائة درع، وقال عارية مضمونة، وخرج في جيش عظيم قوامه اثنا عشر ألفاً، عشرة آلاف من أصحابه الذين فتح بهم مكة، وألفان من أهل مكة ممن أسلم طوعاً أو كرهاً .
أما بعض المسلمين فقد أخذه العُجب لماّ رأى هذا الجيش العظيم، فأعجبت المسلمين كثرتهم، وقال بعضهم: ما نؤتي من قلة، فكَرِه رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذلك من قولهم، وإلى هذا يُشير الله عَزَّ وجَلَّ في قوله: ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾[2].
كيف بدأ القتال وكيف انتهى؟
كانت هوازن قد كَمِنت في الوادي واستقرت فيه قبل طلوع الفجر، واستعدت بما لديها من القوة والعتاد لمفاجأة المسلمين ومواجهتهم على حين غفلة ومن حيث لا يتوقعون.
أما النبي(صلى الله عليه وآله) فقد ركب بغلته البيضاء التي يقال لها دلدل، واستعد لقتال المشركين، وانحدر المسلمون نحو وادي حنين، فخرجت هوازن وثقيف من مخابئها وأحاطوا بالمسلمين دفعة واحدة وهم يرمونهم بالسهام ويرشقونهم بالحجارة ويحملون عليهم من جميع الجهات، فكان يوماً عظيم الخطب، وانهزم المسلمون عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فلم يبق مع الرسول(صلى الله عليه وآله) إلا نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته(عليهم السلام)، حتى بقي في عشرة من بني هاشم، وقيل تسعة، منهم علي بن أبي طالب(عليه السلام)، والعباس بن عبد المطلب(رضي الله عنه)[3].
وأبدى بعض قريش -رغم كونهم في جيش المسلمين- ما كان في نفسه، فقال أبو سفيان: لا تنتهي والله هزيمتهم دون البحر، وقال كلدة بن حنبل: اليوم بطل السحر، وقال شيبة بن عثمان: اليوم أقتل محمداً، وقصد النبيَ ليقتله، فأخذ النبي(صلى الله عليه وآله) الحربة منه فأشعرها فؤاده[4].
وفرّ المسلمون وظهرت بوادر الهزيمة، إلا أن الرسول(صلى الله عليه وآله) قال للعباس: صِح يا للأنصار، وصِح يا أهل بيعة الرضوان، وصِح يا أصحاب سورة البقرة، يا أصحاب السمرة.
وكان النبي(صلى الله عليه وآله) ينادي: (أين أيها الناس هلمّ إليّ أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله)[5].
وكان(صلى الله عليه وآله) ينادي المسلمين ويقول: (يا أنصار الله وأنصار رسوله، أنا عبد الله ورسوله).
وهكذا تمكّن الرسول(صلى الله عليه وآله) من بثّ روح الجهاد في نفوس المسلمين من جديد، وقد كان أصابهم الخوف والذعر وأوشكوا على الفرار الكامل وتسجيل الهزيمة النكراء، فاجتمع المسلمون ثانية وهجموا هجمة واحدة على المشركين، ومضى علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلى صاحب راية هوازن فقتله، وبعد مقتله كانت الهزيمة للمشركين.
وهكذا كتب الله النصر لرسوله الكريم ونصرهم بجنود من الملائكة، وإلى هذا النصر يشير القرآن الكريم: ﴿ثُمَّ أَنَزلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ﴾[6].
عدد القتلى والشهداء:
قتل من هوازن في ذلك اليوم خلق عظيم، وقتل دريد بن الصمة فأعظم الناس ذلك، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إلى النار و بئس المصير، إمام من أئمة الكفر، إن لم يُعِنْ بيده فإنه أعان برأيه).
واستشهد في ذلك اليوم من المسلمين أربعة نفر هم:
1. أيمن بن عبيد، من بني هاشم وهو ابن أم أيمن مولاة رسول الله(صلى الله عليه وآله).
2. يزيد بن زمعة بن الأسود، من بني أسد.
3. سراقة بن الحارث بن عدي، من الأنصار.
4. أبو عامر الأشعري، من الأشعريين.
وسبى المسلمون من المشركين في ذلك اليوم سبايا كثيرة، بلغت عدّتهم ألف فارس، وبلغت الغنائم أثنى عشر ألف ناقة سوى الأسلاب.
ثم جمعت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) سبايا حنين وأموالها، وكان على المغانم مسعود بن عمرو القاري، فأمر النبي(صلى الله عليه وآله) بالسبايا والأموال إلى الجعرانة فحُبست بها، ثم توجّه(صلى الله عليه وآله) إلى الطائف.
وبعدما رجع النبي(صلى الله عليه وآله) من غزوة الطائف، نزل بالجعرانة فقَدِمت عليه وفود هوازن وقد أسلموا، ثم أعتنق أبناؤهم ونساؤهم الإسلام كلهم[7].
ثم أهلّ النبي(صلى الله عليه وآله) بالعمرة من الجُعرانة، وذلك في ذي القعدة .