تلقيت دعوة لإحدى الندوات التابعة لنقابة المحاميين العراقيين، التقيت فيها بأحد رجال الدين، وبحكم عملي كقاضٍ تجاذبت معه أطراف الحديث عن القوانين الوضعية وموافقتها للأحكام الشرعية من عدمه، وفي إحدى المداخلات الكلامية معه ذكر موضوع الغصب وكيفية إثباته على الغاصب بالبينة.
فقلت له: كثيراً ما دارت جُل القضايا في المحاكم العراقية حول هذا الموضوع، فهلّا وضّحت لي الغصب بالمعنى شرعي؟
فأجاب الشيخ: الغصب يا أستاذ: هو الاستيلاء على مال الغير أو حقه عدوانا وظلما، لقوله تعالى: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [1].
فقلت: وما هو المغصوب؟
قال: هو أقسام:
الأول: عين مع المنفعة، كغصب الدار من مالكها.
الثاني: عين بلا منفعة، كغصب المستأجر العين المستأجرة من مالكها مدة الإجارة.
الثالث: منفعة مجردة، كغصب العين المؤجرة وانتزاعها من يد المستأجر والاستيلاء على منفعتها مدة الإجارة.
الرابع: حق مالي متعلق بالعين، كالاستيلاء على العين المرهونة من المرتهن.
فقلت: فما حكم الغصب؟
قال: هو حرام، ويجب على الغاصب الضمان إذا كان المغصوب من الأموال مطلقا عينًا كان أو منفعة.
قلت: إذن يتقوم الغصب باستيلاء الغاصب على العين الماديّة كسرقتها من صاحبها مثلاً.
قال: نعم، وصيرورة تلك العين تحت يد الغاصب عرفاً.
فقلت: هل يجب أن يكون ذلك الغصب بصورة مباشرة؟
قال: لا، قد يكون بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كأمر الغير بجلبها له.
فقلت: هذا في المغصوب المنقول فما الحال بغير المنقول؟
قال: يكفي في غير المنقول كغصب الدار أن يسكنها الغاصب أو يُسكّن الغاصب غيره.
فقلت: وإذا اشترك اثنان في الغصب والاستيلاء على مال معين من منهما ضامن؟
قال: كان كل منهما ضامناً لجميع المال، وصاحب المال مخيّر في مطالبة أيهما شاء، فمن راجعه المالك ضمن جميع المال.
فقلت: وإن كان المال المغصوب عفى عليه الزمن هل يجب ردّه؟
قال: يجب ردّه إلى مالكه ما دام باقياً وإن كان في ردّه مؤنة، بل وإن استلزم ردّه الضرر على الغاصب. مثلا لو غصبت قطعة من حديد ـ شلمان ـ وأنشأ الغاصب البناء عليها لا بد من ردّها وأن أضر بالبناء خراباً.
فقلت: وعلى تقدير بذل البدل من قبل الغاصب حتى لا يضر ببناءه هل للمالك المطالبة بالعين دون البدل؟
قال: نعم، للمالك ذلك وإن لزم الغاصب نزعها وردّها إليه بل وإن لم تكن للعين المغصوبة مالية.
فقلت: لو غصب شخص داراً مدة من الزمن، هل يجب أن يعوّض عن منفعتها للمالك؟
قال: وجب على الغاصب تعويض المالك بمقدار مدة الغصب وإن لم يسكنها أحد.
فقلت: لو حدث في المغصوب نقص وعيب ماذا يفعل الغاصب عند ردّه؟
قال: وجب عليه أرش النقصان - وهو التفاوت بين قيمته صحيحاً وقيمته معيباً - وردّ المعيوب إلى مالكه.
قلت: لو كان الشيء المغصوب باقياً لكن نزلت قيمته السوقية، فما يفعل الغاصب عند الرد؟
قال: ردّه ولم يضمن نقصان القيمة ما لم يكن ذلك بسبب نقصان في العين.
قلت: ما المراد بالضمان المثلي؟
قال: أي المماثل له عند الضمان، ما يكون موافقا له في الصنف أي بالخصوصيات التي تختلف باختلافها رغبات العقلاء ولا يكفي الاتحاد في النوع، ولو تعذّر المثل ضمن القيمة.
قلت: وإن تفاوتت القيمة كالزيادة والنقصان بحسب الأزمنة بأن كان له حين الغصب قيمة، وفي وقت تلف العين قيمة، وفي يوم الدفع إلى المغصوب منه أخرى، فعلى أي قيمة يدفع؟
قال: مدار الدفع على الغاصب بالقيمة يوم دفعها للمغصوب منه.
قلت: وإذا تعذر إرجاع المغصوب إلى مالكه إن كان يُعد تالفاً عرفاً؟
قال: دفع بدله إلى المالك مِثْلاً أو قيمة، كذلك يتبع العين المغصوبة نمائها فمتى ما استرجعها صاحبها استرجع نمائها.
قلت: بم تُدفع القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميات وفي المثليات عند تعذر المثل؟
قال: تحتسب بالنقد الرائج (الأوراق النقدية).
قلت: لو تعاقبت الأيادي الغاصبة على عين ثم تلفت، فأيهم ضامن منهم؟
قال: ضمن الجميع، فللمالك أن يرجع ببدل ماله من المثل أو القيمة إلى كل واحد منهم، أو بالتوزيع متساوياً أو متفاوتاً عليهم.
قلت: لو اشترى شخص شيئاً جاهلاً بغصبيّته وغرّمه المالك فماذا يفعل حينئذ؟
قال: رجع على الغاصب بما غَرُم للمالك.
فقلت: وإن كان عالما بالغصب؟
قال: ليس له الرجوع على الغاصب بما غَرُم للمالك.
المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (67)