لا شكّ أن آية المودة وهي قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)[1]، نازلة في حقّ أهل البيت (عليهم السلام) بشهادة المصادر المتواترة عند المسلمين، فقد ورد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم قال: (على وفاطمة وابناهما)[2].
وفي صحيح البخاري في تفسير قوله تعالى: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) قال: حدثني محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاووسا عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى: (إلا المودة في القربى) قال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلوات الله عليهم) صحيح البخاري: ج6، ص37.
ومن طرقنا ورد عن أبي جعفر الصادق (عليه السلام) أنّه سئل عن قوله تعالى: (قُل لاَّ أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُربَى)؟ فقال: (هي والله فريضة من الله على العباد لمحمد (صلى الله عليه وآله) في أهل بيته)[3].
وفي خبر آخر أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) سأل الأحول: (ما يقول أهل البصرة في هذه الآية: (( قُل لاَ أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجراً إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي القُربَى ))؟ قال: جعلت فداك يقولون: إنّها لقرابة رسول الله(صلى الله عليه وآله) ولأهل بيته، قال: (إنّما نزلت فينا أهل البيت في الحسن والحسين وعليّ وفاطمة أصحاب الكساء)[4].
وهذه الروايات تخالف ما ادعاه بعض المفسرين أن القربى تشمل جميع من له صلة رحم مع النبي (صلى الله عليه وآله)، مع أننا لا ننكر فضل النسب النبوي الطاهر، لكننا ملزمون بالتخصيص الذي ورد في الأخبار عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم اجمعين.
نعم وردت الأخبار في فضل السادة المنتسبين لرسول الله(صلى الله عليه وآله) لكن لا بدلالة الآية الكريمة، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) إنّه قال: (إِنِّي شَافِعٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِأَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ ولَوْ جَاءُوا بِذُنُوبِ أَهْلِ الدُّنْيَا: رَجُلٌ نَصَرَ ذُرِّيَّتِي ورَجُلٌ بَذَلَ مَالَهُ لِذُرِّيَّتِي عِنْدَ الضِّيقِ ورَجُلٌ أَحَبَّ ذُرِّيَّتِي بِاللِّسَانِ والْقَلْبِ ورَجُلٌ سَعَى فِي حَوَائِجِ ذُرِّيَّتِي إِذَا طُرِدُوا أَوْ شُرِّدُوا)[5].
أما عن الذين أسقط الله عنهم دفع الأجر وإبداله بالمودة للنبي (صلى الله عليه وآله) في الآية الكريمة، فننقل كلام صاحب الميزان بهذا الخصوص، قال: ((وأمّا معنى المودة في القربى فقد اختلف فيه تفاسيرهم فقيل - ونسب إلى الجمهور - أنّ الخطاب لقريش والأجر المسؤول هو مودتهم للنبيّ(صلى الله عليه وآله) لقرابته منهم؛ وذلك لأنّهم كانوا يكذبونه ويبغضونه لتعرّضه لآلهتهم على ما في بعض الأخبار، فأمر (صلى الله عليه وآله) أن يسألهم: إن لم يؤمنوا به، فليودوه، لمكان قرابته منهم ولا يبغضوه ولا يؤذوه فالقربى مصدر بمعنى القرابة و(في) للسببية.
وفيه أنّ معنى الأجر إنّما يتم إذا قوبل به عمل يمتلكه معطي الأجر فيعطي العامل ما يعادل ما امتلكه من مال ونحوه فسؤال الأجر من قريش، وهم كانوا مكذّبين له كافرين بدعوته، إنّما كان يصح على تقدير إيمانهم به (صلى الله عليه وآله)؛ لأنّهم على تقدير تكذيبه والكفر بدعوته لم يأخذوا منه شيئاً حتّى يقابلوه بالأجر، وعلى تقدير الإيمان به - والنبوّة أحد الأصول الثلاثة في الدين - لا يتصور بغض حتّى تجعل المودة أجراً للرسالة ويسأل.
وبالجملة لا تحقق لمعنى الأجر على تقدير كفر المسؤولين ولا تحقق لمعنى البغض على تقدير إيمانهم، حتّى يسألوا المودّة.
فالآية من حيث المعنى لا تتسق وطلب المودّة للنبيّ (صلى الله عليه وآله) من قريش الكافرين، وإنّما مع طلب المودّة من المسلمين للقربى، كما هو واضح من ظاهر الآية ومن نصوص الروايات في شأن النزول[6].
مجلة ولاء الشباب العدد (47)