أمور تتعلق بالنهضة الحسينية

تحدثت في أحد المحافل يوماً عن النهضة الحسينية فقلت: لا شكّ أن نهضة الحسين (عليه السلام) كان لها تأثير بالغ وكبير في حركة التأريخ الإسلامي وحياة المسلمين عامة، بحيث أدت تفاعلاتها الواقعية في حركة الأمة إلى حفظ الإسلام ونشره، وكان للشعائر الحسينية دور آخر في قبالة ذلك مكمّل لدور الثورة الحسينية يكاد يختص هذا الدور بالشيعة، وإن كان له بعض التأثير في بقية المسلمين أيضاً.

ويمكن تقسيم الشعائر الحسينية من ناحية المضمون إلى قسمين رئيسيين: الشعائر المسنونة، وغير المسنونة....

فقال أحد الحضور: ما معنى الشعائر المسنونة؟

فقلت: هي الشعائر التي ورد فيها نص ثابت وصريح عن أهل البيت (عليهم السلام).

فقال لي: مثل ما؟

فقلت: أولاها: البكاء، وغيره من مظاهر التعبير عن الحزن والأسى، ووردت فيها أحاديث كثيرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «بكى علي بن الحسين على الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين عشرين سنة ـ أو أربعين سنة ـ وما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى على الحسين (عليه السلام) حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين! فقرأ (عليه السلام): (إنما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون) إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني لذلك العبرة»[1].

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «.. ومن أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنة ومن أنشد في الحسين فبكى فله الجنة..»[2].

وثانيها: الزيارة.

فقال لي: وما أهمية الزيارة مع كونها مستحبة؟

فقلت: كانت زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في الأساس حضوراً إلى جانب قبره الشريف، ثم أخذت منحى أوسع في تعظيم أهل البيت (عليهم السلام) ولو كانت عن بعد، وبعض الروايات تدل على أنها فريضة على من يؤمن بإمامته، ويترتب عليها عظيم الثواب حتى فضلت على العمرة والحج المندوبين.

فعن الإمام الباقر(عليه السلام) قال: «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين بن عليC؛ ...وزيارته مفترضة على من أقرّ للحسين(عليه السلام) بالإمامة من الله عزّ وجلّ»[3].

فقال: وهل للزيارة فوائد غير الثواب؟

قلت: أولاً: تربية الفرد وأتباع الخط الأصيل المتمثل بأهل البيت(عليهم السلام) والوقوف على مضمون نهضة الحسين بالولاء لهذه القامة الإسلامية، والتلبية لندائه باعتباره داعياً إلى الله (لبيك داعي الله).

وثانياً: تأكيد الرفض للطغيان والظلم الذي أعلنه الإمام الحسين(عليه السلام) عندما خطب في أهل الكوفة خطبته المشهورة.

ثالثاً: الالتزام بالمفاهيم العقائدية والأخلاقية التي تضمنتها نصوص الزيارات التي وردت في الإمام الحسين(عليه السلام).

رابعاً: التعبير الاجتماعي الذي فتح الأبواب أمام بقية المسلمين للالتحاق بالشيعة من خلال التفاعل بالمسيرات الحسينية والسير نحو كربلاء.

فقال: والآن ما قصدك بالشعائر الغير مسنونة؟

قلت: هي ما تمّ ابتكارها من قبل موالي أهل البيت(عليهم السلام) ولم يرد فيها نص صريح، مثل شعائر التشبيه وتمثيل مشاهد المأساة التي جرت على الحسين(عليه السلام)، أو المسيرات المليونية، وغيرها.

فقال: وهل لذلك من مبرر فيما لم يرد فيه نص؟

قلت: أفضل المبرّرات لذلك هو أنّ تكون الممارسة تعبيراً عرفياً عن تعظيم الحسين (عليه السلام) أو إظهار الحزن عليه أو مشتملة على المضمون والمحتوى الذي أرساه الله تعالى، أو كانت تذكيراً للمسلمين بمصابه وأهدافه فهو أمر مشروع تنطبق عليه الآية القرآنية في قوله تعالى: (.. وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[4].

فقال: ألا يكون مردود الشعائر سلبيا لعدم النص عليها؟

قلت: فيه جنبتان.

قال: وكيف؟

قلت: أما الإيجابية، هي الممارسات ذات الأهداف الخالصة وقد أصبحت شعائراً حسينيّة، مما لا تعد هتكاً لحرمة الإسلام والمذهب، والسلبية، هي ما تشوه الرؤية التي لا تنسجم مع الأهداف الحقيقيّة لأهل البيت (عليهم السلام)، أو التي ينفر منها الوجدان والذوق الإنساني السليم، وليس لها تفسير منطقي يوافق العقل والفطرة.

ومن هذا المنطلق اهتمّ أهل البيت (عليهم السلام) بشيعتهم وتوجيههم توجيهاً ينسجم مع عموم الأهداف والمنطلقات العقائدية والأخلاقية الإسلامية.

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (53)

 


[1] الأمالي للصدوق: ص304.

[2] الأمالي للصدوق: ص205.

[3] الأمالي للصدوق: 206.

[4] سورة الحج: الآية 32.