الإمام الحسين (عليه السلام) وعياله

لكل ثورة ثائر وأسباب لثورته، وأهداف تختلف باختلاف أيديولوجية الثائر؛ وعموماً ما تكون انتفاضته إلا على الظلم والاستبداد، وعلى رأس هذا النمط الإمام الحسين (عليه السلام) وثورته التي أراد منها زلزلة عروش الظالمين، حتى بعد استشهاده!! لعلمه أن الظرف ليس مهيئاً عسكرياً للانتصار على دولة بني أمية، فكان دمه (عليه السلام) ثورة قد انتصرت على السيف.

وهنا نوه بعض السذج لا على أصل ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وعدم تكافئها العسكري مع الطرف الآخر بل على اصطحابه لعياله في معركة خاسرة لا محالة، كما نقل الطبري في تاريخه (ج4، ص288)، أن عبد الله بن عباس قد نصح الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله: «... فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك فو الله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه، وولده ينظرون إليه)، فتسائل الطبري بقوله: (اذن فلماذا يحمل عياله معه وهو يعلم بما يحل بهن»؟

نقول: إن هذه النظرة من ابن عباس وغيره صائبة بالنظر للواقع السياسي حينذاك، وأما على المدى البعيد لم تكن صائبة في نظر الإمام(عليه السلام)؛ لما للثورة من إيجابيات مستقبلية وأهداف سامية، لذا قال(عليه السلام) لأخيه ابن الحنفية: (شاءَ اللهُ أنْ يراهُنَّ سَبايا)، فعلمه بمقتله ومصير عياله، وخبر النبي(صلى الله عليه وآله) باستشهاده بكربلاء -كما عن كتاب (اللهوف، لابن طاووس: ص40)- لم يكن مانعاً في اصطحاب عياله معه بل العكس، فأراد الإمام الحسين(عليه السلام) أن يعيد بثورته مجد الإسلام الأصيل، ودرء الظلم والحيف عن المسلمين، ولعدم تكافئ ثورته(عليه السلام) عسكرياً كان لابد من عناصر تُحي استمرارها لإظهار ظلم حكومة بني أمية وبعدها عن الإسلام وأهله، حتى تنفر منها النفوس، وتظهر مظلومية أهل البيت(عليهم السلام) وتضحيتهم حتى يخامر حبهم قلوب المسلمين فيميلوا لمنهجهم الإلهي، ومن هذه العناصر إضافة لدمه الطاهر ودماء أصحابه؛ سبي نسائه وأطفاله، فكانوا مشروعاً إعلامياً، وصوتاً جهيراً لهذه الثورة المباركة، والذي تولى هذه المهمة إمامنا السجاد(عليه السلام) وزينب الكبرى وأم كلثوم، فأبكوا العيون في الكوفة، وأحرجوا يزيد وأظهروا حقده للإسلام وأهل بيت النبوة(عليهم السلام) في الشام حتى ردّهم مكرمين.

ناهيك أن الإمام الحسين (عليه السلام) باصطحاب عياله معه لم يترك العذر لمن أراد الجهاد الخوف على عياله من بطش الظالمين، وكذلك باصطحابهم معه لساحة حرب، فقد كمم الأفواه لمن أراد تحريف الغاية من ثورته، وجعلها ثورة ملك لا ثورة عقيدة ومبدأ، فطالب الملك لا يخاطر بأهل بيته وعياله.

المصدر: مجلة اليقين، العدد (66)، الصفحة (10).