تتّفق جميع الكتب السّماويّة على أنّ الموت ليس نهاية الإنسان، بل هناك عالم آخر ينتقل إليه الإنسان ويرى فيه جزاء أعماله وأفعاله، فأمّا الصّالحون المحسنون الّذين يحترمون الواجب ويحسنون العمل ويعملون بطاعة الله تعالى في أوامره ونواهيه ستكون لهم حياة طيّبة وسعيدة، وسوف يعيشون في نعمة، وروح وريحان وجنة نعيم.
وأمّا العاصون المتكبّرون الذين لا يطيعون الله فيما أمرهم، ويظلمون، ويعتدون على حقوق النّاس، ولا يتورّعون عن ارتكاب القبيح، هؤلاء العصاة ستكون لهم حياة صعبة شقيّة، وسيعيشون في عذاب وألم.
فمن العقائد الضرورية في الإسلام الإيمان المعاد يوم القيامة، ونشر الناس من القبور للحساب والجزاء، وهو من مقتضيات حكمته وعدله تعالى.
والأدلّة على بعث الناس للحساب يوم القيامة كثيرة لا تسعها هذه السطور، لذا نقتصر على بعض أدلة القرآن الكريم تبركاً بكلام الله تعالى.
استعمل القرآن طريقة المقارنة بين إحياء الإنسان بعد الموت وإحياء الأرض بعد الموت؛ لتقريب الفكرة إلى الأذهان، ليحصل بذلك الإنس، قال تعالى: (فَانظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ الله كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ (وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [1]
كما يعرض القرآن الكريم حال فتية الكهف لإيجاد علاقة بين النوم العميق وحالة الغيبوبة وبين الموت، فكما أن النوم ينتهي إلى اليقظة فإن الموت ينتهي إلى البعث والنشور، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا)[2].
بل يرشد القرآن إلى إحياء بعض الموتى في عالم الدنيا كما في قصة احد أنبياء بني إسرائيل بقوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ الله بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ الله مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إلى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إلى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إلى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[3].
بهذه الآيات وغيرها يدفع القرآن الكريم شبهة استحالة إحياء الله هذه الأرض بعد موتها، ويكشف للإنسان قوته، وعظمته، بأن أجرى التجربة على الإنسان؛ لتكون الفكرة أوضح، فأماته مائة عام، وكان إحياؤه على نحو التدرج، لكي ينظر إلى ما هو عليه من الإبداع في الإحياء، فضلاً عن الإبداع في أصل الخلق.
كما تدفع الآيات القرآنية شبهة بعض الفلاسفة، الذين قالوا باستحالة البعث؛ لأنهم يرون أن إرجاع الإنسان إلى عالم آخر يكون من نوع إعادة المعدوم وهو محال، كما أنهم يرون أن البعث إرجاع لإنسان آخر غير الأول بعينه، فالقرآن بعرضه لقصة ذلك الشخص الذي أعاده الله بعد مائه عام، كشف عن كونه هو الإنسان بنفسه، ولم يكن شخصاً آخر كما يتصور هؤلاء.
مجلة ولاء الشباب العدد (32)