بعد خمس وثلاثين سنة من شهادة الإمام الحسين(عليه السلام) وفي الخامس والعشرين من شهر محرّم الحرام سنة خمس وتسعين، فارق المؤمنون إمامهم سيد الساجدين وزين العابدين علي بن الحسين(عليه السلام)، شهيداً مظلوماً مسموماً، ليورث القلوب لوعةً وحرقةً وألماً ليس كأي ألم.
ما وصل إلينا من التأريخ عن القاتل الذي اجترأ على الإمامة هو الوليد بن عبد الملك، حيث سقاه السم لعنه الله[1].
وفي البحار عن الكفعمي ذُكر: أن الذي سمَّه هو هشام بن عبد الملك، وكان ذلك بأمر من الوليد بن عبد الملك[2].
وسواء كان الوليد أو غيره، فقد فاز إمامنا السجاد (عليه السلام) بدار المقام بعد أن حمل أعباء الرسالة، وحفظ ما استودع من الشريعة، وطاب وطابت أرضٌ ضمّت جسده الطاهر، لكن قلوب المؤمنين غير طيبة بالفراق والغياب.
كان الحسد والحقد والحرص على السلطة والحكم أهم دوافع قتل أهل البيت (عليهم السلام) طاهر بعد طاهر، فلا يروق للطغاة منزلة المعصومين في قلوب الناس، وإصلاحهم لأمور المسلمين، وحفاظهم على أحكام وسنن الشريعة، فيعمدون إلى القتل لإطفاء نار الكره والحسد.
ففي أحد مواسم الحج كان هشام بن عبد الملك حاضراً، فلم يقدر على استلام الحجر من الزحام، فجلس ينتظر، فأقبل الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس وفسحوا له المجال حتى يستلمه هيبة له.
فقال شاميّ: من هذا؟
فقال هشام: لا أعرفه.
فقال الفرزدق: أنا أعرفه، وأنشأ:
يا سائلي أين حل الجود والكرم
عندي بيان إذا طــلابه قدموا
هذا الذي تعرف البـطحاء وطأته
والبيت يعرفه والحل والحرم
... إلى آخر القصيدة.
فغضب هشام، وأمر بحبسه، فبلغ ذلك علي بن الحسين (عليه السلام) فبعث إليه بهدية وقال: «أعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به».
فردَّها وقال: يا ابن رسول الله، ما قلت الذي قلت إلا غضباً لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله)، وما كنت لأرزأ عليه شيئاً.
فردها(عليه السلام) إليه وقال: «بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك، وعلم نيتك فقبلها»[3].
مجلة ولاء الشباب العدد (65)