الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان عباديان على كل مؤمن ومؤمنة متى ما توفرت شروطهما، قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)[1].
وقال عزّ وجلّ: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)[2].
وروي عن النبي الآكرم (صلى الله عليه وآله): «لا تَزَالُ أُمَّتِيْ بِخَيْرٍ مَا أَمَرُوْا بِالمَعْرُوْفِ وَنَهَوْا عَنِ المُنْكَرِ وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوْا ذلِكَ نُزِعَتْ مِنْهُمُ البَرَكَاتِ وسُلِّطَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ نَاصِرٌ فِيْ الأَرْضِ وَلا فِيْ السَّمَاءِ»[3].
وعن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): «كَيفَ بِكُم إذا فَسَدَت نِساؤكُم، وفَسَقَ شَبابُكُم، ولَم تَأمُروا بِالمَعروفِ ولَم تَنهَوا عَنِ المُنكَرِ؟! فقيل له: ويكون ذلك يارسول الله؟ فقال: نَعم وشَرٌ مِنْ ذَلِكَ، كَيفَ بِكُم إذا أمَرتُم بِالمُنكَرِ ونَهَيتُم عَنِ المَعروفِ؟! فقيل له: يارسول الله ويكون ذلك؟ قال: نَعم وشرٌّ مِنْ ذَلِكَ، كَيفَ بِكُم إذا رَأيتُمُ المَعروفَ مُنكَراً والمُنكَرَ مَعروفاً؟!»[4].
وهذان الواجبان يتأكدان أكثر إذا كان تارك المعروف أو فاعل المنكر واحداً من أهلك، فقد تجد بين أهلك من يتسامح ببعض الواجبات أو يتهاون، قد تجد فيهم من لا يتوضأ بالشكل الصحيح، ولا يتيمم بالشكل الصحيح، ولا يغتسل غسل الجنابة بالشكل الصحيح، ولا يطهر جسده وملابسه بالشكل الصحيح، ولا يقرأ السورتين والأذكار الواجبة في الصلاة بالشكل الصحيح، ولا يخمِّس ماله ولا يزكيه وماله متعلق للخمس أو الزكاة.
قد تجد في أهلك ـ مثلاً ـ مَن يرتكب بعض المحرمات، يمارس العادة السرية مثلاً، أو يلعب القمار، أو يستمع إلى الغناء، أو يشرب الخمر، أو يأكل الميتة، أو يأكل أموال الناس بالباطل، أو يغشَّ، أو يسرق.
قد تجد في النساء من أهلك من لا تتحجب، ولا تغطي شعرها، وقد تجد فيهن من لا تزيل أثر صبغة الأظافر عن أظافرها عندما تتوضأ أو تغتسل.
قد تجد فيهن من تتعطر لغير زوجها من الرجال، ومن لا تستر شعرها وجسدها عن أنظار أبن عمها أو أبن عمتها، أو أبن خالها، أو أبن خالتها، أو أخي زوجها، أو صديقه، بحجة أنّه يعيش معها في بيت واحد فهو كأخيها، أو غير ذلك من الأعذار الواهية الأُخرى.
قد تجد في أهلك من يكذب، ويغتاب، ويعتدي على الآخرين، ويبذر أمواله، ويعين الظالمين على ظلمهم، ويؤذي جاره، قد تجد.. وتجد.. وتجد. إذا وجدت شيئاً من ذلك فأمر بالمعروف، وانهى عن المنكر، مبتدئاً بالمرتبتين الأولى والثانية: إظهار الكراهة والإنكار باللسان، منتقلاً إذا لم ينفع ذلك إلى المرتبة الثالثة بعد استحصال الإذن من الحاكم الشرعي، وهي اتخاذ الإجراءات العملية متدرجاً فيها من الأخفِّ إلى الأشد. وإذا كان جاهلاً بالحكم الشرعي وجب عليك تعليمه الحكم وحثه على الالتزام به.
إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تشكل ظاهرة اجتماعية، ولعل أكبر وأعظم آثارها وبركاتها تظهر في الناحية الاجتماعية، وإليك بعض هذه الآثار.
1- تحقيق أهداف النبوات:
لا يخفى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشكلان مقدمة لتطبيق أحكام الإسلام، وعن ذلك يقول الإمام الباقر (عليه السلام): «...إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الظالم ويستقيم الأمر، فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم...»[5]. فإن أهداف الأنبياء تتحقق بتطبيق أحكام الله واجراء قوانين الإسلام، وعليه فكل من يقوم بهذه الفريضة يشكل قوة دافعة لإجراء هذه القوانين مع كونه أحد أجهزة الرقابة على ذلك.
٢- العدالة الاجتماعية:
إن توزيع الثروات بشكل عادل ومنع ظلم الظالمين واستنقاذ حقوق المظلومين من الظالمين هي الترجمة العملية لمقولة العدالة الاجتماعية، وقد أشار الإمام الباقر (عليه السلام) لهذه الجهة في الرواية الآنفة الذكر عندما قال: «بها... ترد المظالم...». وفي رواية عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «...أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام مع رد المظالم، ومخالفة الظالم وقسمة الفيء والغنائم، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها»[6]، إشارة واضحة إلى حسن إدارة المال العام وتوزيع الثروة على مستحقيها ووضعها في محلها.
٣- الأمن:
والأمن أمنان: داخلي، قوامه نزع أسباب الخلاف بوجود النظام العادل وحسن تطبيقه، ومواجهة المعتدين على الحدود. وعن هذا الأثر تتحدث الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): «وتأمن المذاهب...».
وأما الأمن الخارجي الذي يفترض جهوزية عالية لدى أبناء الأمة للجهاد والدفاع وتحمل مسؤولية حماية وحفظ النظام بوجه الأعداء، فعن الإمام الباقر (عليه السلام) عن هذا الأمر قال: «بها... وينتصف من الأعداء».
4 - قوة المؤمنين وضعف المنافقين:
من آثار القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قوة خط الإيمان في المجتمع ونصرة المؤمنين بالتوازي مع إضعاف جبهة النفاق والمنافقين، بما يؤديه من وظيفة تتوحد فيها طاقات أبناء الأمة وتذوب معها الأنانيات، وهذا يعطي قوة المجتمع المؤمنين وللنظام الإسلامي. فعن تقوية جبهة الإيمان ورد عن الإمام علي (عليه السلام): «فمن أمر بالمعروف شد ظهور المؤمنين...»[7].
وعن تأثير النهي عن المنكر في هزيمة واضعاف واحباط عمل وخطط المنافقين ورد عنه (عليه السلام): «ومن نهی عن المنكر أرغم أنوف الكافرين...»[8].
5- استقرار مجتمع المؤمنين:
إن صلاح الأفراد لا سيما مَن يقومون بالخدمات العامة، سيؤدي إلى رفع مستوى أداء العاملين، هذا إضافة إلى أن ممارسة أبناء الأمة دورهم أولاً في دعوة إلى حسن الأداء وممارسة مهمة تصويبهم عند الانحراف أو الخطأ، سيساعد على ايجاد مقدمات رضا أبناء المجتمع الإسلامي عن هذه المؤسسات، وبالتالي فإن رواج ذلك الذي هو مصداق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيجعل العاملين يشعرون برقابة أبناء الأمة وكذلك بالمسؤولية تجاههم، وهذا ما يؤدي إلى استقامة هؤلاء العاملين وإلى تعزيز جو الثقة المتبادلة وهو الذي يوجد استقرار النظام والمجتمع الإسلاميين.
وعن ذلك تتحدث الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): «... إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض ونتصف من الظالم ويستقيم الأمر ...»[9].
[1] سورة آل عمران: آية 104.
[2] سورة التوبة: آية 71.
[3] وسائل الشيعة الحر العاملي: ج16، ص123.
[4] الكافي الشيخ الكليني: ج5، ص59.
[5] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص۱۸۱.
[6] وسائل الشيعة، الحر العاملي: ج۱۹، ص130.
[7] نهج البلاغة، تحقیق صالح: ص473.
[8] نهج البلاغة، تحقیق صالح: ص 4۷۳.
[9] الكافي، الشيخ الكليني: ج6، ص۱۸۱.