وهو من متكلّمي وفقهاء الإمامية، عاش في القرن الرابع والقرن الخامس الهجري، وله مدرسة فقهية وأصولية وكلامية تميّز بها عن غيره.
يعتبر الشيخ الصدوق، وابن الجنيد الإسكافي، وابن قولويه من أبرز أساتذته، ومن أشهر طلابه الشيخ الطوسي، والسيد المرتضى، والسيد الرضي، والنجاشي، ومن أهم كتبه المشهورة المقنعة في علم الفقه، وأوائل المقالات في علم الكلام، والإرشاد حول حياة الأئمّة (عليهم السلام).
للشيخ المفيد العديد من النقاشات والمناظرات مع أئمّة المذاهب الأخرى، وعُرف من خلالها قوة حجته، ورصانة دليله، ومن تلك المناظرات هي ما جرت بينه وبين القاضي عبد الجبار في بغداد، والتي جاء فيها:
سأل القاضي: ما تقول في هذا الخبر الذي ترويه طائفة من الشيعة: مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه، أهو مسلَّم صحيح عن النبيِّ يوم الغدير؟ فقال الشيخ المفيد: نعم، خبر صحيح.
فقال الشيخ: ما المراد بلفظ المولى في الخبر؟ فقال: هو بمعنى أولى.
فقال الشيخ: فما هذا الخلاف والخصومة بين الشيعة والسنّة؟
فقال الشيخ: أيُّها الأخ! هذه رواية، وخلافة أبي بكر دراية، والعادل لا يعادل الرواية بالدراية.
فقال الشيخ: ما تقول في قول النبيِّ لعليٍّ: حربك حربي، وسلمك سلمي؟ قال القاضي: الحديث صحيح.
فقال: ما تقول في أصحاب الجمل؟ فقال القاضي: أيُّها الأخ! إنّهم تابوا.
فقال الشيخ: أيُّها القاضي! الحرب دراية، والتوبة رواية، وأنت قرَّرت في حديث الغدير أنّ الرواية لا تعارض الدراية.
فبهت القاضي، ولم يحرِ جواباً، ووضع رأسه ساعة، ثمَّ رفع رأسه وقال: مَن أنت؟
فقال: خادمك محمّد بن محمّد بن النعمان الحارثي.
فقام القاضي من مقامه، وأخذ بيد الشيخ وأجلسه في مسنده، وقال: أنت المفيد حقّاً! فتغيَّرت وجوه علماء المجلس.
فلمَّا أبصر القاضي ذلك منهم قال: أيُّها الفضلاء! إنّ هذا الرجل ألزمني، وأنا عجزت عن جوابه، فإن كان أحد منكم عنده جواب عمّا ذكر فليذكر، ليقوم الرجل ويرجع مكانه الأول.
فلمَّا انفصل المجلس شاعت القصّة، واتّصلت بعضد الدولة، فأرسل إلى الشيخ فأحضره، وسأله عمّا جرى فحكى له ذلك، فخلع عليه خلعة سنيّة، وأخذ له بفرس محلَّى بالزينة، وأمر له بوظيفة تجري عليه[1].
المصدر: مجلة اليقين العدد (68)، الصفحة (11).