يهتم الإنسان بصورة عامة بالجانب العقائدي كأحد أبعاد الحياة المهمة، وبصورة خاصة فإن الشيعة يعتنون بعقيدتهم في أهل البيت(عليهم السلام) لثبوتها بالعقل والنقل، ولأنها تحمل معطيات فكرية وسلوكية مستمرة لا تبلى ولا تقف عند نقطة زمنية معينة، وأحد مصاديق هذا الاهتمام إحياء الشعائر وإقامة المحافل في ذكريات ولادات الأئمة(عليهم السلام) بفعاليات تتضمن مفاهيم دينية وفكرية وأخلاقية وغيرها من أبعاد شخصية الإنسان.
وللدور العقائدي الذي ارتبط بالزهراء(عليها السلام) من حيث ذاتها وصفاتها والظروف التي اكتنفتْ حياتها، بل ومماتها، كان لها تأثيرات عظيمة على الحياة الإسلامية الفردية والاجتماعية من جوانب شتى، والشيعة ينظرون إلى الحقبة التي تلت ارتحال النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله) أنها حقّقت ورسّخت حق أهل البيت(عليهم السلام)، وذلك يرجع إلى أن منزلة فاطمة الزهراء(عليها السلام) عند الله عَزَّ و جَلَّ وعند رسول الله(صلى الله عليه وآله) منزلة عظيمة ومميّزة.
إن تلك الأحداث التي جرت على البيت النبوي ليست من قبيل القضايا التاريخية الصامتة، وليست من قبيل أساطير القصّاص والمؤلفين، بل كان لها مساس بعقيدة المسلمين، وكان لها تأثيرات مصيرية على واقع الأمّة الإسلامية ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وقد تأثرت بها الأسس العقائدية والشرعية، فليس من الصحيح تناسيها والتغافل عنها بسبب العامل الزمني.
كما أن الذي جرى على الزهراء(عليها السلام)كان باباً لمعرفة الحقائق المهمة التي يستطيع بها المسلمون التمييز بين الحق و الباطل و الصحيح و الخطأ، لأنها قضية مصيرية لها مساس وصلة قوية بمسألة الإمامة، وأيضاً هي قضية تتعلق بوجوب مودّة أهل البيت(عليهم السلام) و موالاتهم، والفرح لفرحهم والحزن لحزنهم والبراءة من أعدائهم، الأمر الذي يدعونا إلى إحياء هذه المظلومية والتنديد بظالمي الزهراء(عليها السلام) والمعتدين عليها والمحرقين لدارها، وهي بضعة رسول الله وحبيبته، ونكاد نجزم لو أن المسلمين كافّة كلّفوا أنفسهم وبذلوا شيئاً من الوقت لدراسة تاريخ وسيرة النبي المصطفى(صلى الله عليه وآله) في تلك الحقبة الزمنية، لسبّبت تحوّلاً فكريّاً عظيماً لديهم، ولتعرّفوا على حقائق كبيرة كانوا يجهلونها بسبب التعتيم المهيمن على الأمة الإسلامية قديماً وحديثاً، فعندما يتصفّح المسلم كتب الحديث عند المسلمين بخصوص هذا الموضوع وما جرى على الزهراء(عليها السلام) بعد ارتحال النبي(صلى الله عليه وآله) تنبثق أسئلة كثيرة في ذهنه عن هذه السيدة الفريدة وعن ما جرى عليها من الظلم.
فهي الزهراء(عليها السلام) الذي يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.
وهي الزهراء(عليها السلام) التي أوصى رسول الله(صلى الله عليه وآله) بها في عشرات الأحاديث الصحيحة.
وهي الزهراء(عليها السلام) التي ماتت في ريعان شبابها مظلومة ومضطهدة وغاضبة على الذين تعمدوا ظلمها، وأوصت زوجها أمير المؤمنين(عليه السلام) أن يكون دفنها في الليل سرّاً، وهي الابنة الوحيدة للنبي المصطفى(صلى الله عليه وآله)وحبيبته، وهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
فلماذا كانت ظروف مماتها بهذه الأحداث غير الطبيعية؟!
مجلة اليقين العدد (35)