التوحيد

قسم المتكلمون التوحيد الى مراتب: التوحيد في الذات والتوحيد في الصفات والتوحيد في الأفعال.

أما التوحيد في الذات: فهو أول مرتبة من مراتب التوحيد وله معنيان:

الأول: أن الله تعالى واحد، لا مثيل له ولا نظير ولا شبيه ولا عديل، وهو قوله تعالى: (ولم يكن له كفواً أحد)[1]، وقد أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «هو واحد ليس له في الأشياء شبه»[2].

الثاني: أن ذاته تعالى ذات بسيطة، أي لا كثرة فيها، ولا تركب، قال تعالى: (قل هو الله أحد) الإخلاص:1، يقول أمير المؤمنين(عليه السلام):(«إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى» يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربّنا عزّ وجلّ) بحار الأنوار، المجلسي: ج 3، ص 207.

وعليه تكون عقيدة التثليث باطلة من وجهة نظر الإسلام، قال تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ) المائدة:73.

وأما التوحيد في صفات الذات الإِلَهيّة، فمعناه: أن صفات العلم والقدرة ونحوها مجموعة في ذاته، بل هي عين ذاته، وهي ليست كصفات المخلوقات الممكنة المستقلة عن بعضها، والمنفصلة عن ذواتهم؛ وبطبيعة الحال فإن عينية ذاته تعالى مع صفاته تتطلب نوعاً من الدقة الفكرية، كما أننا نقصد بصفات الذات: تلك الصفات الّتي يلازم تصوُّرها تصوّرَ الذات الإِلَهية، ولا تتعلق بفعل من الأفعال، كالعلم والقدرة والحياة.

والنتيجة: أن الله تعالى موصوف بكلّ الصفات الكمالية، وأنّ العقلَ والنقل معاً يَدُلاّن على وجودِ هذه الكمالات في الذات الإِلَهيّة المقدسة، وهذا معنى أنّ الله عالمٌ، قادرٌ، حيٌ، سميعٌ، بصيرٌ.

كما تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الصفات مختلفةُ من حيث المعنى والمفهوم، ومتحدة في مرحلة الوجود والواقع الخارجِي، فذاته تعالى بسيطة وواجدةٌ لجميع هذه الصفات والكمالات، لا أنّ بعض الذات الإِلَهيّة «عِلم» وبعضها الآخر «قُدرة» ...... وغيرها، بل هو سبحانه - كما يقول المحقّقون: - علم كلُّه وقدرةٌ كلّهُ وحياةٌ كلهُ...

وهناك فريقٌ من المسلمين يقول: إنّ الصفات الإِلَهية قديمةٌ وأزليةٌ، ولكنها ليست عين الذات بل هي زائدةٌ على الذات، وهو ليس بصحيح، لأنّ ذلك نتيجة تشبيه صفات الله بصفات الإِنسان وحيث إنّ صفاتِ الإِنسان زائدةٌ على ذاته فقَد تصوَّروا أنّها بالنسبة إلى الله كذلك.                      

يقول الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «لم يَزلِ اللهُ - جلّ وعزّ - ربُّنا والعلمُ ذاتُه ولا معلومَ، والسَمعُ ذاتُه ولا مسموعَ، والبَصَرُ ذاتُه ولا مُبْصَرَ، والقدرةُ ذاتُه ولا مقدورَ»[3].

ويقول الإِمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): «وكمالُ الإِخلاصِ له نفي الصفاتِ عنه، لشهادة كلِّ صفَةٍ أنها غيرُ الموصوف، وشهادةِ كلّ موصوفٍ أنّه غير الصفة»[4].

وأما توحيد الأفعال: فمعناه أن أيّ فعل أو أثر في عالم الوجود هو مرتبط بإرادة الله ومشيئته:
(ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)[5] (و لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[6].

فالمراد من توحيد الأفعال أي إسنادها إلى الله عزّ وجلّ، ولا مؤثر في الوجود إلا الله، ولكن هذا لا يعني أننا مجبرون على أفعالنا التي نقوم بها، بل إننا أحرار في الإرادة واتخاذ الموقف: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) الإنسان:3. (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)[7].

وهاتان الآيتان تصرّحان أن الإنسان حر في إرادته، ولكن الله تبارك وتعالى هو الذي أعطى هذه الحرية والقدرة؛ لذا فإسناد أعمالنا إلى مشيئة الله تعالى لا يرفع مسئوليتنا تجاه هذه الأعمال، والله تعالى أراد لنا أن تكون أعمالنا بإرادتنا؛ لأن الإنسان لا يتكامل إلا بحرية الإرادة وسلوك طريق الطاعة بمحض الاختيار؛ ذلك أن الجبر وسلب حرية الاختيار لا يمكن أن يدل على صلاح المرء أو فساده.

كما أنه لو كان الإنسان مجبراً على أفعاله، لانتفى أي غرض من بعثة الأنبياء ونزول الكتب السماوية وفرض التكاليف الدينية، ولانتفى الثواب والعقاب؛ وهذا هو ما تعلمناه من مدرسة أهل بيت النبي (عليهم السلام): «أنه لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين».

مجلة اليقين العدد (14)

 


[1] الإخلاص: 4.

[2] بحار الأنوار، المجلسي: ج3ص207.

[3] بحار الأنوار، المجلسي: ج54ص161.

[4] الكافي، الكليني: ج1 ص205.

[5] الأنعام: 102.

[6] الشورى:12.

[7] النجم: 39.