الطعام والشراب

وفق فتاوى سماحة المرجع الديني الأعلى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله)

كنت أسكن في إحدى القرى النائية الواقعة جنوب العراق، هاجرت منها لبلاد الغرب باحثاً عن حياة جديدة وفرصة لتحقيق بعض طموحاتي، وإذا بي أصادف حالات ومواقف من نوع جديد غير ما اعتدت عليها، لا سيّما في ما يخص الأكل والشرب، ولأن هذه البلاد غير إسلامية فتعارف عندهم أو في دياناتهم المختلفة جواز أكل وشرب ما هو محرم في ديني ومذهبي، حتى تعرفت على أحد المسلمين المقيمين منذ فترة طويلة في ذلك البلد الذي هاجرت إليه، فكان طوق نجاتي الذي أبغيه، فما من معضلة تواجهني حتى أعرضها عليه لنجدتي بأجوبته المدعومة بالأدلة والبراهين، لما عنده من معلومات غزيرة، وإطّلاع كبير، ومن المحادثات التي حصلت بيننا كانت هذه المحاورة، وكانت عن الطعام والشراب في الإجمال.

فسألته في وقتها: عن جواز أكل وبيع وشراء الدجاج المستورد من بلدان إسلامية مكتوب عليه جملة: (مذبوح على الطريقة الإسلامية)؟

فأجابني: يجوز لك أكله وبيعه وشراؤه ما لم تعلم عدم تذكيته، سواء اكتبت عليه الجملة المذكورة أم لا.‏

فقلت له: والمتوفر في أسواق الدول غير الإسلامية كهذه التي نحن فيها، ومكتوب عليه عبارة: (مذبوح على الطريقة الإسلامية)؟

قال: لا يجوز لك أكله، إذا لم تطمئن بانّه مذبوح على الطريقة الإسلامية حقاً، لا ادّعاءً.‏

فقلت: والجبن المعروض في البلاد غير الإسلامية، إذا لم أعرف بالضبط طريقة صناعته ومحتوياته؟

قال: يجوز لك أكله.‏

فقلت له: وبالنسبة للأسماك، فإن بعض أنواعه لا يغطي الفلس كل جسمه فهل يجوز أكله؟

فقال: نعم يجوز لك أكله حتى لو كان عليه فلس واحد.‏

فقلت له: والسمك المعلّب في هذه البلاد الأوروبية والأمريكية هل يحق لنا الأكل منه؟ فإننا غير متيقنين بتذكيته من جهتين كما تعلم.‏

أولاً: إنّا لا نعلم بوجود فلس عليه ولكن اسم السمك المثبت على الغلاف مما له فلس علماً أن هذه البلاد المصنِّعة لهذا النوع من المعلبات تطبّق قوانين صارمة في مطابقة المواصفات المسجّلة على الغلاف لما في داخله.‏

ثانياً: إنّا لا نعلم بتحقق الاستيلاء عليه خارج الماء حيّاً أو موته داخل شبكة الصيد أو حظيرته، ولكن من المعروف أنه يصطاد بسفن الصيد الحديثة التي تعتمد إخراج السمك من الماء حيّاً وقلّما يختلط بها شيء من الميتة؟

قال: إذا حصل الاطمئنان بكونه مذكى ـ ولو بالنظر إلى الملاحظتين المذكورتين ـ جاز الأكل منه وإلا لم يجز.‏

فقلت: هناك مطاعم للمسلمين منتشرة في أسواقهم متاخمة لأسواق غيرهم تقدم لزبائنها اللحوم، فهل يجوز الأكل منها؟

فقال: يجوز لك أكل لحومها.‏

فقلت: حتى من دون سؤال صاحب المطعم المسلم عنها؟

قال: نعم يجوز لك أكلها من دون حاجة إلى سؤال صاحب المطعم عنها، كما لا حاجة إلى سؤاله عن ديانة العاملين في المطعم.‏

فقلت له: وأما المشروبات الغازية والعصائر وما شاكلها وهي مصنعة في هذه البلاد ـ بلاد الغرب ـ، ما حكمها؟

فقال: يجوز لك شربها.

فقلت له: سؤالي الأخير فيما يخص بعض المشروبات الخالية من الكحول ـ كالبيرة ـ، هل يجوز شربها وهل هي طاهرة؟

فقال لي صاحبي: لعلك تقصد الشراب الذي يتعارف صنعه من نقيع الشعير المخمر ويوجب النشوة عادة ويسمى بالفقّاع، وهو حرام (كما أنه محكوم بالنجاسة على الأحوط لزوماً).‏

المصدر: مجلة ولاء الشباب العدد (38)