1- عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: سَأَلَه رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ هِيتَ وأَنَا حَاضِرٌ عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (وكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا)[1] فَقَالَ: «مُنْذُ أَنْزَلَ الله عَزَّ وجَلَّ ذَلِكَ الرُّوحَ عَلَى مُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وآله) مَا صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وإِنَّه لَفِينَا»[2].
2- عَنْ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله(عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله عَزَّ وجَلَّ: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)[3]. قَالَ: «خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ ومِيكَائِيلَ كَانَ مَعَ رَسُولِ الله(صلى الله عليه وآله) وهُوَ مَعَ الأَئِمَّةِ وهُوَ مِنَ الْمَلَكُوتِ»[4].
3- عَنْ عَلِيٌّ عَنْ أَبِيه عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله(عليه السلام) يَقُولُ: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي)[5]. قَالَ: «خَلْقٌ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ ومِيكَائِيلَ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى غَيْرِ مُحَمَّدٍ(صلى الله عليه وآله) وهُوَ مَعَ الأَئِمَّةِ يُسَدِّدُهُمْ ولَيْسَ كُلُّ مَا طُلِبَ وُجِدَ»[6].
4- عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ سَعْدٍ الإِسْكَافِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) يَسْأَلُه عَنِ الرُّوحِ ألَيْسَ هُوَ جَبْرَئِيلَ؛ فَقَالَ لَه أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام): «جَبْرَئِيلُ(عليه السلام) مِنَ الْمَلَائِكَةِ والرُّوحُ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ». فَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ فَقَالَ لَه: لَقَدْ قُلْتَ عَظِيماً مِنَ الْقَوْلِ مَا أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ. فَقَالَ لَه أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام): «إِنَّكَ ضَالٌّ تَرْوِي عَنْ أَهْلِ الضَّلَالِ، يَقُولُ الله تَعَالَى لِنَبِيِّه(صلى الله عليه وآله): (أَتى أَمْرُ الله فَلا تَسْتَعْجِلُوه سُبْحانَه وتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ* يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ)[7]. والرُّوحُ غَيْرُ الْمَلَائِكَةِ صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ»[8].
الشرح:
قال الراوي: (يَسْأَلُه عَنِ الرُّوحِ ألَيْسَ هُوَ جَبْرَئِيلَ). لعلّ السؤال عن الروح في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا... الآية)[9].
والاستفهام للتقرير لاعتقاد السائل أن الروح ليس إلّا جبرئيل (عليه السلام) وقد بلغه تفسير هذا الروح بغيره فجاء سائلاً مستنكراً فأجاب (عليه السلام) بأن هذا الروح غير ملك وجبرئيل ملك فهذا الروح غير جبرئيل فعلى هذا لا يرد أن إطلاق الروح على جبرئيل (عليه السلام) صحيح شائع فكيف ينفيه (عليه السلام) وأن المستفهم عن الشيء غير عالم به فكيف يتصوّر منه الرد والمخالفة بعد البيان.
ثم قال الراوي: «مَا أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنَّ الرُّوحَ غَيْرُ جَبْرَئِيلَ». يعني: اتفقوا على أن الروح ليس إلّا جبرئيل، أقول: ما ادّعاه هذا السائل دلّ على كمال جهله فإن أهل العلم اختلفوا في تفسيره قديماً وقالوا أقوالاً مختلفة متكثرة فقيل: إنّه القرآن، وقيل: إنه الحياة الباقية، وقيل: إنّه جبرئيل، وقيل: إنّه ملك غيره، وقيل: إنّه خلق كخلق بني آدم، وقيل غير ذلك.
فقال(عليه السلام): «تَرْوِي عَنْ أَهْلِ الضَّلَالِ». هم الذين يقولون أن الروح ليس إلّا جبرئيل(عليه السلام) وإنّه لا ينزل على أحد بعد محمّد(صلى الله عليه وآله) ولا مستند لهذين القولين:
الأوّل: مخالف لروايات الخاصة والعامة وأقوال أكثر علمائهم.
والثاني: مخالف لما في طريق الخاصة أن جبرئيل (عليه السلام) كان يأتي فاطمة بعد أبيها (عليهما السلام) ويكلّمها إلّا أنها لا تراه، وممّا يدل على فساد الثاني ما ذكره الآبي وهو من أعاظم علماء العامة في كتاب إكمال الإكمال أن رجلاً عابداً كان في مسجد أندلس وكان يسمع صوت الملائكة ويعلم نزولهم فإذا جاز ذلك عندهم في واحد من الأُمّة فلِمَ لم يجز نزول الملائكة وجبرئيل على أهل بيت نبيّنا صلوات الله عليهم.
وقول الله عز وجل لنبيه(صلى الله عليه وآله): (أَتى أَمْرُ الله). قال المفسِّرون: لما أوعدهم النبي(صلى الله عليه وآله) بإهلاكهم كما فعل يوم بدر أو بقيام الساعة استعملوا ذلك استهزاءً وتكذيباً وقالوا: إن صح ذلك يخلصنا أصنامنا عنه، فردّ عليهم جلّ شأنه بقوله: (أَتى أَمْرُ الله)، أي: أمره بالهلاك أو قيام الساعة، وعبّر عنه بالماضي للدلالة على تحقّق وقوعه (فَلا تَسْتَعْجِلُوه)؛ لأنه لاحق بكم ولا مردّ له: (سُبْحانَه وتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، نزّهه عن أن يكون له شريك يدفع عنهم ما أراد بهم بنزول الملائكة بالروح أي مصاحبين معه.
وقوله (عليه السلام): «والرُّوحُ غَيْرُ الْمَلَائِكَةِ». وهو ظاهر فاندفع بذلك ما توهّمه السائل من أن الروح ليس غير جبرئيل (عليه السلام) وفي بعض النسخ: «فالروح غير الملائكة». بالفاء وهو الأظهر.
5- عَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى: (وكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ولَا الإِيمانُ)[10]، قَالَ: «خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ الله عَزَّ وجَلَّ أَعْظَمُ مِنْ جَبْرَئِيلَ ومِيكَائِيلَ كَانَ مَعَ رَسُولِ الله (صلى الله عليه وآله) يُخْبِرُه ويُسَدِّدُه وهُوَ مَعَ الأَئِمَّةِ مِنْ بَعْدِه»[11].
الشرح:
قال الله تعالى: (وكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) أي: أرسلنا وألقينا إليك روحاً. قال بعض المفسِّرين: المراد بالروح هنا القرآن لأن به حياة القلوب الميّتة بالجهل وحياة الدين كما أن بالروح حياة الأبدان، وقال بعضهم: المراد به جبرئيل(عليه السلام) وهذا الحديث دلّ على أن المراد به غيرهما.
وقوله عز وجل: (مِنْ أَمْرِنا) أي: بأمرنا ومن أجله، ويحتمل أن يكون صفة لـ(رُوحاً) أو حالاً عنه. يعني أنه من عظم الأمر وهو عالم المجرّدات، لا من عالم الخلق وهو عالم الجسمانيات، وقيل: يرشد إليهما قوله تعالى: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)[12].
وقوله جل ذكره: (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ولَا الإِيمانُ) أي: ما كنت تعلم قبل إنزال الروح ما الكتاب وأي شيء هو، ولا التصديق بالشرائع وأحكامها ودعوة الخلق إليها، وإن كنت تعلم أصول الإيمان بطريق عقلي، والمقصود أن علمك بذلك من فيض الله وجوده بإنزال الروح إليك.
قوله: (خَلْقٌ مِنْ خَلْقِ الله عَزَّ وجَلَّ). هذا الخلق ليس من الملائكة لما سيصرّح به، ولأنه أعظم من جبرئيل (عليه السلام) وميكائيل بحسب الرتبة والعلم، ولم يثبت أن أحداً من الملائكة أعظم منهما، ولأن الملائكة لم يعلموا جميع الأشياء كما اعترفوا به حيث قالوا: (لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا)[13]. وهذا الخلق عالم بجميعها فيحتمل أن يكون نوراً إلهياً صرفاً مجرّداً عن العلائق، عارفاً بالله وصفاته ومعلولاته إلى آخرها، متعلّقاً بالنفوس البشرية إذا صفت وتخلّصت عن الكدورات كلّها واتصفت بالقوّة القدسية المذكورة تعلّقاً تامّاً يوجب إشراقها وانطباع ما فيه من العلوم الكلية والجزئية فيها، والمراد بإنزاله إليه وهو هذا التعلّق وبتسديده هو هذا الإشراق والله أعلم بحقيقة الحال وأنا أستغفر الله ممّا أقول.
6- عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله(عليه السلام) عَنِ الْعِلْمِ أهُوَ عِلْمٌ يَتَعَلَّمُه الْعَالِمُ مِنْ أَفْوَاه الرِّجَالِ أَمْ فِي الْكِتَابِ عِنْدَكُمْ تَقْرَؤُونَه فَتَعْلَمُونَ مِنْه؟ قَالَ: «الأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وأَوْجَبُ أمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الله عَزَّ وجَلَّ: (وكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ ولَا الإِيمانُ)[14]». ثُمَّ قَالَ: «أَيَّ شَيْءٍ يَقُولُ أَصْحَابُكُمْ فِي هَذِه الآيَةِ أيُقِرُّونَ أَنَّه كَانَ فِي حَالٍ لَا يَدْرِي مَا الْكِتَابُ ولَا الإِيمَانُ». فَقُلْتُ: لَا أَدْرِي جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا يَقُولُونَ. فَقَالَ لِي: «بَلَى قَدْ كَانَ فِي حَالٍ لَا يَدْرِي مَا الْكِتَابُ ولَا الإِيمَانُ حَتَّى بَعَثَ الله تَعَالَى الرُّوحَ الَّتِي ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَلَمَّا أَوْحَاهَا إِلَيْه عَلَّمَ بِهَا الْعِلْمَ والْفَهْمَ وهِيَ الرُّوحُ الَّتِي يُعْطِيهَا الله تَعَالَى مَنْ شَاءَ فَإِذَا أَعْطَاهَا عَبْداً عَلَّمَه الْفَهْمَ»[15].
الشرح:
الرواية منقولة: (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) واسمه ثابت بن دينار، روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن موسى بن جعفر(عليهم السلام) ومات في عصره سنة خمسين ومائة، وكان من أخيار أصحابنا وثقاتهم ومعتمديهم في الرواية والحديث، وروي عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: «أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه». وعن الرضا(عليه السلام) أنه يقول: «أبو حمزة الثمالي في زمانه كلقمان في زمانه». وفي بعض النسخ سلمان بدل لقمان.
وقوله: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله(عليه السلام) عَنِ الْعِلْمِ». أي: عن علم العالم فاللام عوض عن المضاف إليه.
وقوله: «أهُوَ عِلْمٌ يَتَعَلَّمُه الْعَالِمُ مِنْ أَفْوَاه الرِّجَالِ». في بعض النسخ: «هو شيء يتعلّمه الرجل من أفواه العالم». والمراد بالعالم الجنس الشامل الكثير بقرينة الأفواه.
وقوله: «تقرؤونه فتعلمونه». في بعض النسخ: «فتتعلمونه». بالتائين، والواحدة أولى وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب للتعيين والتصريح بالمطلوب.
فقال الإمام(عليه السلام): «لأَمْرُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وأَوْجَبُ» أي: أمر علمنا أعظم وأوجب، يعني ألزم وأتمّ وأحقّ من أن يكون مأخوذاً من أفواه الرجال أو مستخرجاً من الكتاب بل هو من الروح الذي معنا، ولعل المراد بالعلم الذي وقع السؤال عنه جميعه على الإيجاب الكلّي أو العلم بما يصير محتوماً، وإلاّ فكون بعض علومهم مأخوذاً على الوجه المذكور مثل العلم بالأحكام الشرعية والمحتومات ظاهر لحصوله بإخبار النبي(صلى الله عليه وآله) وبكتاب علي(عليه السلام) كما دلّت عليه الروايات منها: عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الأَوَّلِ مُوسَى(عليه السلام) قَالَ: «مَبْلَغُ عِلْمِنَا عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوه: مَاضٍ وغَابِرٍ وحَادِثٍ، فَأَمَّا الْمَاضِي فَمُفَسَّرٌ، وأَمَّا الْغَابِرُ فَمَزْبُورٌ، وأَمَّا الْحَادِثُ فَقَذْفٌ فِي الْقُلُوبِ ونَقْرٌ فِي الأَسْمَاعِ، وهُوَ أَفْضَلُ عِلْمِنَا...»[16].
وقوله(عليه السلام): «أَيَّ شَيْءٍ يَقُولُ أَصْحَابُكُمْ». خطاب الجمع لأبي حمزة من باب التعظيم أوله ولسائر مشاركيه في التشيّع على سبيل التغليب.
وقوله(عليه السلام): «بَلَى قَدْ كَانَ». بلى من حروف التصديق وهو إيجاب لما بعد النفي كما إذا قيل: لم يقم زيد؟ فقلت: بلى- كان المعنى قد قام.
مجلة بيوت المتقين العدد (89 ـ 90)
[1] سورة الشورى: آية 52.
[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص273.
[3] سورة الإسراء: آية 85.
[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص273.
[5] سورة الإسراء: آية 85.
[6] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص273.
[7] سورة النحل: آية 1- 2.
[8] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص274.
[9] سورة الشورى: آية 52.
[10] سورة الشورى: آية 52.
[11] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص273.
[12] سورة الأعراف: آية 54.
[13] سورة البقرة: آية 32.
[14] سورة الشورى: آية 52.
[15] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص273.
[16] الكافي، الشيخ الكليني: ج1، ص264.