الطهارة من الرجس

لا يفتأ المرجفون أن يطعنوا ويطعنوا بالمفاهيم الإسلامية الصحيحة، ليضلوا من رضي بالجهل له قائداً، وبالشبهات مسلكاً، أو من كان في قلبه أحقاداً بدرية وحنينية، إذ جاء الإسلام وقضى على ظلمهم وفسادهم وأصنامهم وغيرّ مسار الفكر الإنساني، ليرتبط بجبار السماوات والأرض، إلهاً واحداً وهم له مسلمون طائعون، (لَٰكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللهِ لَا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعَادَ)[1].

ومن ذلك الإرجاف ما نال أهل البيت (عليهم السلام) من الطعن في كل صفاتهم التي منّ الله بها عليهم وجعلهم أئمة يهدون إلى الحق وبه يعملون.

ومن تلك الصفات الطهارة من الرجس وكل دنية، صغيرة أو كبيرة، وذلك قوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[2].

فقد قال بعض المرجفين أنه توجد آيات كثيرة تتحدث عن إرادة الله تعالى لتطهير عموم المسلمين، فلِمَ هذا الاختصاص بالطهارة الذي تدعيه الشيعة لأهل البيت(عليهم السلام) فقط؟

واحتج على هذه الدعوى بقوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ)[3].

وكما قلنا لا ينقاد لمثل هذا الإرجاف إلا جاهل أو معاند، فلو تأملنا الآية الكريمة كاملة في القرآن الكريم وهي قوله تعالى: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ)[4]، يظهر لنا أنه ليس فيها أي إخبار عن طهارة جميع المسلمين بشكل مطلق ومن كل رجس، بل فئة مخصوصة منهم ورجز مخصوص أيضاً، فالآية تخاطب الذين عصوا الله تعالى وهربوا من أحد وتركوا النبي(صلى الله عليه وآله) وحده أمام سيوف المشركين، وأنه أنزل على المؤمنين منهم مطراً ليطهرهم به ويذهب به عنهم رجز الشيطان الذي أمرهم بالفرار! وأنه ألقى النعاس على المؤمنين منهم دون المنافقين! فالتطهير فيها خاص من رجز الفرار الذي هو على حد الكفر بالله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)[5]،  فغاية ما تدل عليه الآية تطهير المؤمنين منهم من رجز الفرار من الزحف، دون المنافقين الذين لم ينزل عليهم النعاس.

فأين هذه من تطهير أهل البيت(عليهم السلام) من كل رجس؟

نعم، يظهر من بعض الآيات أن الله سبحانه وتعالى أراد لكل مسلم أن يطهّر نفسه من جميع الأرجاس المادية والمعنوية، وذلك بامتثاله التكاليف الشرعية المتوجهة إليه، ومنه قوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا)[6]، وهي آية وجوب الزكاة، وقوله تعالى: (وَلَٰكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ)[7]، وهي آية الطهارة للصلاة، وذلك مراد له سبحانه وتعالى بإرادته التشريعية.

أما الإرادة في آية التطهير فهي إرادة تكوينية، لأنه سبحانه حصر فيها إذهاب الرجس عن خصوص المخاطبين فيها وهم أهل البيت عليهم السلام، وحددهم النبي(صلى الله عليه وآله) بالأسماء والكساء!

ثم أنه كيف يغفل العاقل عن التصريح بأهل البيت(عليهم السلام) في آية التطهير، ويحرف الكلام إلى معاني التطهير، ويتحدث عن ألفاظ الطهارة في القرآن الكريم؟ إنه لشيء عجاب.

مجلة اليقين العدد (43)

 


[1] الزمر: 20.

[2] الأحزاب: 33.

[3] الأنفال: 11.

[4] الأنفال: 11.

[5] الأنفال: 15.

[6] التوبة: 103.

[7] المائدة: 6.