ما هو تفسير: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[1].
لا أحد يقول بدلالة هذه الآية الكريمة على التجسيم، لكن البعض لا يريد أن يثبت المجاز؛ فيقع في التجسيم الذي يحاول الفرار منه. ولتحقيق هذا الأمر نحاول أن نبحث بما يناسب الباري عز وجل من الصفات.
الأقوال في تفسير العرش في الآية، ثلاثة:
القول الأول: المعنى المتبادر والمدلول اللغوي للعرش وهو الذي يجلس فيه شخص له ميزة على غيره كالملوك والأمراء، بل وبعض الكبراء كرؤساء القبائل وأمثالهم.
وقالوا إن قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)[2] معناه أن الباري عز وجل جلس على عرشه.
وقالوا هناك فرق بين الكرسي في سورة البقرة وبين العرش، وهناك تفسير للكرسي الذي جاء في الآية الكريمة التي وردت في سورة البقرة (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)[3]، فقالوا بان العرش هو الذي يجلس عليه الله سبحانه وتعالى والكرسي موضع قدميه.
وهذا المعنى صريح في نسبة الجسمية للباري عز وجل فلا يمكن الركون إليه بحال؛ لأنه يقتضي التشبيه والتجسيم الصريح كما قلنا، وهذا ما لا تقرّ به طوائف المسلمين سوى الشاذ منها.
لذا عمدوا الى التنصل من هذه المشكلة الى القول: بان جلوسه عز وجل حاصل بالواقع لكننا نجهل كيفيته، كما قالوا في قوله تعالى: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)[4]، أن لله يداً لكن لا نعرف كيفيتها.
وهم بهذا الكلام لم يخرجوا عن التصريح بالتجسيم لذات الباري جل وعلا.
القول الثاني: أن الاستواء بمعنى الاستيلاء على المجاز في الكلمة، وهو قول من لا يرتضي التشبيه والتجسيم بالنسبة الى الله سبحانه وتعالى ويدعمون قولهم بالبيت المعروف: (قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق) أي استولى.
القول الثالث: أن العرش والاستواء كناية عن التدبير وإدارة من له حق الإدارة والإشراف والتدبير عليه، كما نقول استوى زيد على داره بعد ستة سنوات، أي صارت تحت إدارته وتصرفه، وهذا هو المقصود من بعض تعبيرات المؤرخين أحياناً استوى الملك الفلاني على عرش الدولة، بمعنى جعله تحت قدرته وصار له السلطان عليه.
فالمقصود من الآية القيام بالتدبير وإدارة شؤون من له القدرة عليه والاستيلاء عليه، والاستيلاء بمعنى التسلط عليه.
وقد فسر القرآن الكريم في سورة يونس الاستواء بالتدبير قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ)[5]، أي أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ثم قام بتدبير أمرهم، وهو نوع من المجاز الذي يفهمه العرب قديماً وحديثاً ولو بقرينة امتناع التشبيه والتجسيم على الباري عز وجل.
فالله سبحانه وتعالى يقول: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) يعني قام بتدبير الأمور فيضيف إليه قوله تعالى (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) وهذا المعنى الصحيح من هذا التعبير متى ورد في القران الكريم ومتى ورد في السنة الصحيحة.
مجلة اليقين العدد (18)