- الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسْتَفَادِ أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ(عليه السلام) قَالَ: «قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ الله ألَيْسَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) كَاتِبَ الْوَصِيَّةِ ورَسُولُ الله(صلى الله عليه وآله) الْمُمْلِي عَلَيْه وجَبْرَئِيلُ والْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ(عليهم السلام) شُهُودٌ، قَالَ: فَأَطْرَقَ طَوِيلاً، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا الْحَسَنِ قَدْ كَانَ مَا قُلْتَ، ولَكِنْ حِينَ نَزَلَ بِرَسُولِ الله(صلى الله عليه وآله) الأَمْرُ نَزَلَتِ الْوَصِيَّةُ مِنْ عِنْدِ الله كِتَاباً مُسَجَّلاً نَزَلَ بِه جَبْرَئِيلُ مَعَ أُمَنَاءِ الله تَبَارَكَ وتَعَالَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ مُرْ بِإِخْرَاجِ مَنْ عِنْدَكَ إِلَّا وَصِيَّكَ لِيَقْبِضَهَا مِنَّا وتُشْهِدَنَا بِدَفْعِكَ إِيَّاهَا إِلَيْه ضَامِناً لَهَا يَعْنِي عَلِيّاً(عليه السلام) فَأَمَرَ النَّبِيُّ(صلى الله عليه وآله) بِإِخْرَاجِ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ مَا خَلَا عَلِيّاً(عليه السلام) وفَاطِمَةُ فِيمَا بَيْنَ السِّتْرِ والْبَابِ فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مُحَمَّدُ رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ ويَقُولُ: هَذَا كِتَابُ مَا كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ وشَرَطْتُ عَلَيْكَ وشَهِدْتُ بِه عَلَيْكَ وأَشْهَدْتُ بِه عَلَيْكَ مَلَائِكَتِي وكَفَى بِي، يَا مُحَمَّدُ شَهِيداً، قَالَ: فَارْتَعَدَتْ مَفَاصِلُ النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله) فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ رَبِّي هُوَ السَّلَامُ ومِنْه السَّلَامُ وإِلَيْه يَعُودُ السَّلَامُ...»[1].
الشرح:
قوله (عليه السلام): (ألَيْسَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام)).
الاستفهام إما على الحقيقة أو على التقرير بما دخل عليه النفي أو لإفادة العلم بمضمونه.
قوله (عليه السلام): (فَأَطْرَقَ طَوِيلاً) أي: سكت زماناً طويلاً وأرخى عينه إلى الأرض كذلك، ولعل السرّ فيه اشتغاله بالمحدث الذي كان معه في أمر الوصية أو رجوعه إلى نفسه المقدّسة وتشاوره في بيان أمر الوصية كما هو حقّه.
قوله (عليه السلام): (قَدْ كَانَ مَا قُلْتَ) يفهم منه أنه(صلى الله عليه وآله) أوصى إلى علي (عليه السلام) وسمّى أوصياءه (عليهم السلام) وكتبها علي (عليه السلام) بخطّه ثم نزلت كتاباً من السماء.
قوله (عليه السلام): (ولَكِنْ حِينَ نَزَلَ بِرَسُولِ الله(صلى الله عليه وآله) الأَمْرُ) أي: الأمر برجوعه إلى الحق أو الأمر بنصب الأوصياء أو الأمر بدفع الوصيّة إلى أهلها.
قوله (عليه السلام): (كِتَاباً مُسَجَّلاً) أي: محكماً من سجّل عليه إذا أحكمه والسجلّ كتاب الحكم أو مرسلاً من سجّلت الكتاب أي أرسلته، نقل عن محمّد بن الحنفية (رضي الله عنه) في تفسير قوله تعالى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)أنه قال: هي مسجّلة للبرّ والفاجر، قال الأصمعي: أي مرسلة لم يشترط فيها برّ دون فاجر، أو مبذولاً لهداية الخلق. قال ابن الأثير: المسجّل المال المبذول.
قوله(عليه السلام): (ضَامِناً لَهَا) حال عن الضمير المجرور في «إليه» الراجع إلى الوصي لا يقال: العامل في الحال متعلق الظرف وهو الدفع والعامل في ذي الحال حرف الجر، لأنا نقول: العامل في ذي الحال أيضاً هو المتعلّق والجار آلة توصل معناه إليه مجرورة فيتّحد العامل فيهما.
قوله(عليه السلام): (يَعْنِي عَلِيّاً(عليه السلام)) بيان للوصي وتفسير له.
قوله(عليه السلام): (بَيْنَ السِّتْرِ والْبَابِ) لا خارجه ولا داخله والستر بالكسر واحد الأستار والستور وهو ما يستر به ومعمول لذلك، والسترة بالضم أعم منه لأنها تشمل المعمول له وغيره.
قوله(عليه السلام): (يُقْرِئُكَ السَّلَامَ) أقرأته السلام وهو يقرئك السلام بضم الياء رباعياً لا غير وإذا قلت يقرأ عليك السلام فبالفتح لا غير وقيل: هما لغتان.
قوله(عليه السلام): (هَذَا كِتَابُ مَا كُنْتُ عَهِدْتُ إِلَيْكَ) إضافة الكتاب إلى ما بتقدير اللام والعهد العقد والميثاق والوصية يقال: عهد إليه إذا أوصاه ولعل هذا العهد وقع في الذرّ عند أخذ الميثاق للأئمة(عليهم السلام) بالإمامة أو في المعراج أو في وقت آخر من أيام البعثة.
قوله(عليه السلام): (وشَرَطْتُ عَلَيْكَ) بتبليغه وإكرام من آمن به وصدّقه وإذلال من كفر به وكذّبه.
قوله(عليه السلام): (فَارْتَعَدَتْ مَفَاصِلُ النَّبِيِّ(صلى الله عليه وآله)) لتشديد الأمر والتعظيم له والمبالغة فيه وجعله تعالى ذاته المقدّسة والملائكة المقرّبين شهوداً عليه والحق أنه محل الخيفة وموضع الرعدة فياحسرة للعباد عمّا يراد بهم لشدّة غفلتهم وفرط عتوّهم مع أن بواعث الخوف فيهم أظهر والشهود عليهم أكثر إذ عليهم شهود غير هؤلاء وهم خاتم الأنبياء وسيّد الأوصياء وأولاد النجباء، اللهمّ انصرنا في دار الغربة وموطن الفرقة وارحمنا وأنت أرحم الراحمين.
قوله(عليه السلام): (رَبِّي هُوَ السَّلَامُ) تعريف الخبر للحصر وتوسيط ضمير الفصل للمبالغة فيه والسلام من أسمائه تعالى، وقيل: معناه السالم من المعائب وسمات الحدوث، وقيل: المسلّم عباده من المهالك، وقيل: المسلّم عليهم في الجنة.
قال بعض الأفاضل: هو على الأوّل من أسماء التنزيه كالقدّوس وعلى الثاني يرجع إلى القدرة أو إلى صفة الفعل وعلى الثالث إلى الكلام، واقتصر في النهاية على المعنى الأوّل وقال: السلام في الأصل السلامة، يقال: سلّم يسلّم سلاماً وسلامة، ومنه قيل للجنة دار السلام لأنها دار السلامة من الآفات.
قوله(عليه السلام): (ومِنْه السَّلَامُ وإِلَيْه يَعُودُ السَّلَامُ) أي: الرحمة وسلامة العباد من المعائب والمهالك منه سبحانه وهو مالكهما لا غيره وهما لو صدرتا من غيره فيعودان إليه سبحانه لأنه الموفق له عليهما ولما كان السلام معناه السالم من المعائب وسمات الحدوث جاء بعد قوله هو السلام بهذا الكلام بياناً واحتراساً لأن الوصف بالسلامة إنّما يكون فيمن هو بعرضة أن يلحقه ضرر وآفات فبيّن أن وصفه تعالى بالسلام ليس على حدّ وصف المخلوقين المفتقرين لأنه تعالى هو الغني المتعالي الذي يعطي السلامة ومنه تستوهب وإليه ترجع ومن كان كذلك لا يتطرّق توهّم الضرر والآفات إلى سرادقات عزّه[2].
2- الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسْتَفَادِ أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ(عليه السلام): «... صَدَقَ عَزَّ وجَلَّ وبَرَّ هَاتِ الْكِتَابَ، فَدَفَعَه إِلَيْه وأَمَرَه بِدَفْعِه إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) فَقَالَ لَه: اقْرَأْه فَقَرَأَه حَرْفاً حَرْفاً، فَقَالَ: يَا عَلِيُّ هَذَا عَهْدُ رَبِّي تَبَارَكَ وتَعَالَى إِلَيَّ، وشَرْطُه عَلَيَّ وأَمَانَتُه، وقَدْ بَلَّغْتُ ونَصَحْتُ وأَدَّيْتُ فَقَالَ عَلِيٌّ(عليه السلام) وأَنَا أَشْهَدُ لَكَ بِأَبِي وأُمِّي أَنْتَ بِالْبَلَاغِ والنَّصِيحَةِ والتَّصْدِيقِ عَلَى مَا قُلْتَ، ويَشْهَدُ لَكَ بِه سَمْعِي وبَصَرِي ولَحْمِي ودَمِي فَقَالَ جَبْرَئِيلُ(عليه السلام)وأَنَا لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَقَالَ رَسُولُ الله(صلى الله عليه وآله): يَا عَلِيُّ أَخَذْتَ وَصِيَّتِي وعَرَفْتَهَا وضَمِنْتَ للهِ ولِيَ الْوَفَاءَ بِمَا فِيهَا فَقَالَ عَلِيّ(عليه السلام) نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي عَلَيَّ ضَمَانُهَا وعَلَى الله عَوْنِي وتَوْفِيقِي عَلَى أَدَائِهَا فَقَالَ رَسُولُ الله(صلى الله عليه وآله): يَا عَلِيُّ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُشْهِدَ عَلَيْكَ بِمُوَافَاتِي بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ(عليه السلام) نَعَمْ أَشْهِدْ فَقَالَ النَّبِيُّ(صلى الله عليه وآله) إِنَّ جَبْرَئِيلَ ومِيكَائِيلَ فِيمَا بَيْنِي وبَيْنَكَ الآنَ وهُمَا حَاضِرَانِ مَعَهُمَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ لأُشْهِدَهُمْ عَلَيْكَ فَقَالَ نَعَمْ لِيَشْهَدُوا وأَنَا بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي أُشْهِدُهُمْ فَأَشْهَدَهُمْ رَسُولُ الله(صلى الله عليه وآله) وكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ عَلَيْه النَّبِيُّ بِأَمْرِ جَبْرَئِيلَ(عليه السلام) فِيمَا أَمَرَ الله عَزَّ وجَلَّ أَنْ قَالَ لَه يَا عَلِيُّ تَفِي بِمَا فِيهَا مِنْ مُوَالاةِ مَنْ وَالَى الله ورَسُولَه والْبَرَاءَةِ والْعَدَاوَةِ لِمَنْ عَادَى الله ورَسُولَه والْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ عَلَى الصَّبْرِ مِنْكَ وعَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ وعَلَى ذَهَابِ حَقِّي وغَصْبِ خُمُسِكَ...» [3].
الشرح:
وصل بنا المقام إلى شرح قوله(عليه السلام): «صَدَقَ عَزَّ وجَلَّ وبَرَّ» أي: صدق فيما ذكر من العهد والشرط والشهادة والإشهاد وبرّ بالوفاء بالعهد وإرسال كتابه.
قوله(عليه السلام): «وشَرْطُه عَلَيّ» الشرط معروف ويحتمل أن يراد به حكم الله على ما قد أظهره لي وبيّنه بقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)[4].
قوله (عليه السلام): «وأَمَانَتُه» أي: وديعته لك عندي وهي حق على بن أبي طالب(عليه السلام) الذي أودعه الله تعالى عند رسوله ثم أمره بدفعه إليه.
قوله(عليه السلام): «وقَدْ بَلَّغْتُ ونَصَحْتُ وأَدَّيْتُ» الوصية كانت وديعة الله عنده(صلى الله عليه وآله) وحكماً من أحكامه الحتمية الضرورية وكان(صلى الله عليه وآله) مأموراً بتبليغه إلى الخلق والنصيحة لهم فيها وأدائها إلى أهلها وهو علي بن أبي طالب(عليه السلام) وقد فعل ما كان عليه، والحق أنه ما بالغ أحد من الأنبياء في الوصيّة مثل ما بالغ نبيّنا(عليه السلام) فيها، وكتب العامّة والخاصّة مشحونة بها ولكن من أعمى الله قلبه فلا هادي له.
قوله(عليه السلام): «بِأَبِي وأُمِّي أَنْتَ» هذه الكلمة لإظهار عزّة المخاطَب وبيان أنه عزيز في نفس القائل حتى أنه أرجح ممّن هو أقرب الخلق إليه وأعزّ عليه وهو أبواه بحيث يفديه بهما ولا يشترط في ذلك وجودهما.
قوله(عليه السلام): «بِالْبَلَاغِ» هو بالفتح اسم من التبليغ وهو ما بلغه من القرآن والسنن وجميع ما جاء به، أو بالكسر مصدر بالغ في الأمر إذا اجتهد فيه.
قوله(عليه السلام): «والنَّصِيحَةِ» وهي إرادة الخير للأُمّة وإرشادهم إلى مصالحهم خالصاً لوجه الله وأصل النصح الخلوص.
قوله(عليه السلام): «والتَّصْدِيقِ عَلَى مَا قُلْتَ» أي: تصديقك للرب على ما قلت من أن هذا عهده وشرطه وأمانته أو من قوله: «صَدَقَ عَزَّ وجَلَّ وبَرَّ»، أو من جميع ما جئت من عنده وبيّنه للناس. وفي بعض النسخ: والصدق هو الأظهر يراد بالموصول قوله: «وقَدْ بَلَّغْتُ ونَصَحْتُ وأَدَّيْتُ».
قوله(عليه السلام): «ويَشْهَدُ لَكَ بِه سَمْعِي» يعني يصدّقك فيه جوارحي هذه وغيرها وتشهد لك به يوم القيامة.
يحتمل أن يراد بالدم الروح وقد فسّر الروح بالدم جماعة من العلماء وقد صرّح به الشيخ(رحمه الله) في الكشكول.
قوله(عليه السلام): «وأَنَا لَكُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ» شهادته لرسول الله(صلى الله عليه وآله) على تبليغه ونصيحته وأداء الأمانة، ولعليّ(عليه السلام) على تصديقه بالبلاغ والنصيحة والصدق على ما قال وجاء به.
قوله(عليه السلام): «عَلَيَّ ضَمَانُهَا» بالوفاء بما فيها والعمل وأدائها إلى أهلها كما هي.
قوله(عليه السلام): «بِمُوَافَاتِي بِهَا» أي: بإتيانك إيّاي بها كما هي يوم القيامة، يقال: وافاه أي أتاه مفاعلة من الوفاء.
قوله(عليه السلام): «فِيمَا بَيْنِي وبَيْنَكَ الآنَ» يحتمل البين المكاني والمعنوي.
قوله(عليه السلام): «عَلَى الصَّبْرِ مِنْكَ» في الموالي والمعادي وكليهما وهو حال عن فاعل تفي، والصبر ملكة تحمل النفس على تحمّل المكاره والمشاق.
قوله(عليه السلام): «وعَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ» يناسب الفريقين وما عطف عليه إنّما يناسب الثاني ولذلك أعاد كلمة «على» وكظم الغيظ تجرّعه واحتمال سببه بحبس النفس من المكافاة والمجازاة ولهذه الوصية صبر(عليه السلام) على ما فعلوا.
3- الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَشْعَرِيُّ عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَقْطِينٍ عَنْ عِيسَى بْنِ الْمُسْتَفَادِ أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَر(عليه السلام): «...وانْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ فَقَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهَ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ لَقَدْ سَمِعْتُ جَبْرَئِيلَ(عليه السلام) يَقُولُ لِلنَّبِيِّ يَا مُحَمَّدُ عَرِّفْه أَنَّه يُنْتَهَكُ الْحُرْمَةُ وهِيَ حُرْمَةُ اللهَ وحُرْمَةُ رَسُولِ الله(صلى الله عليه وآله) وعَلَى أَنْ تُخْضَبَ لِحْيَتُه مِنْ رَأْسِه بِدَمٍ عَبِيطٍ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) فَصَعِقْتُ حِينَ فَهِمْتُ الْكَلِمَةَ مِنَ الأَمِينِ جَبْرَئِيلَ حَتَّى سَقَطْتُ عَلَى وَجْهِي وقُلْتُ نَعَمْ قَبِلْتُ ورَضِيتُ وإِنِ انْتَهَكَتِ الْحُرْمَةُ وعُطِّلَتِ السُّنَنُ ومُزِّقَ الْكِتَابُ وهُدِّمَتِ الْكَعْبَةُ وخُضِبَتْ لِحْيَتِي مِنْ رَأْسِي بِدَمٍ عَبِيطٍ صَابِراً مُحْتَسِباً أَبَداً حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْكَ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ الله(صلى الله عليه وآله) فَاطِمَةَ والْحَسَنَ والْحُسَيْنَ وأَعْلَمَهُمْ مِثْلَ مَا أَعْلَمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِه فَخُتِمَتِ الْوَصِيَّةُ بِخَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ لَمْ تَمَسَّه النَّارُ، ودُفِعَتْ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) فَقُلْتُ لأَبِي الْحَسَنِ(عليه السلام) بِأَبِي أَنْتَ وأُمِّي ألَا تَذْكُرُ مَا كَانَ فِي الْوَصِيَّةِ فَقَالَ سُنَنُ اللهَ وسُنَنُ رَسُولِه - فَقُلْتُ أكَانَ فِي الْوَصِيَّةِ تَوَثُّبُهُمْ وخِلَافُهُمْ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(عليه السلام) فَقَالَ نَعَمْ واللهَ شَيْئاً شَيْئاً وحَرْفاً حَرْفاً أمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ وكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناه فِي إِمامٍ مُبِينٍ). واللهَ لَقَدْ قَالَ رَسُولُ الله(صلى الله عليه وآله) لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وفَاطِمَةَ(عليهما السلام) ألَيْسَ قَدْ فَهِمْتُمَا مَا تَقَدَّمْتُ بِه إِلَيْكُمَا وقَبِلْتُمَاه فَقَالا بَلَى وصَبَرْنَا عَلَى مَا سَاءَنَا وغَاظَنَا وفِي نُسْخَةِ الصَّفْوَانِيِّ زِيَادَةٌ»[5].
الشرح:
وصل بنا المقام إلى شرح قوله (عليه السلام): «وانْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ». حرمة الرجل ما تجب عليه وعلى غيره حفظه ورعايته مثل عزّته ورتبته وأهله وغير ذلك، وانتهاكها عدم رعايتها وتناولها بما لا يحلّ، والمبالغة في خرقها، وقد أشار به وبما سبق إلى ما فعله الخلفاء الثلاثة أولاً وبنو أُمية ثانياً وبنو عباس ثالثاً وهكذا إلى زمان ظهور صاحب الأمر عليه الصلاة والسلام.
قوله (عليه السلام): «والَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمَةَ». الفلق بالسكون الشق ومنه فالق الحبّ والنوى أي الذي يشق حبّة الطعام ونوى التمر للإنبات، والنسمة بالتحريك النفس من نسيم الريح، ثم سمّيت بها النفس أي ذات الروح وبرؤها خلقها وإيجادها من كتم العدم وكان (عليه السلام) كثيراً ما يقسم بها إذا اجتهد في يمينه لعظمة هذا الفعل وكمال اختصاصه بالله القادر المختار.
قوله (عليه السلام): «يَا مُحَمَّدُ عَرِّفْه أَنَّه يُنْتَهَكُ الْحُرْمَةُ». لمّا لم يصرّح (صلى الله عليه وآله) بأنه ينتهك حرمته ويهراق دمه حياء ولا يدلّ عليهما قوله: «وانْتِهَاكِ حُرْمَتِكَ» صريحاً أمره جبرئيل (عليه السلام) بأن يعرّفه ذلك صريحاً فكشف الله تعالى حجاب السمع فأسمعه صوت الوحي بلا واسطة رعاية لحياء النبي والله لا يستحيي من الحق. وفي بعض النسخ: (أعلمه) بدل (عَرِّفْه).
قوله(عليه السلام): «بِدَمٍ عَبِيطٍ». العبيط من الدم الخالص الطري.
قوله(عليه السلام): «فَصَعِقْتُ». صعق الرجل ـ كسمع ـ صعقة وتصعاقاً أي غشي عليه أو صعقه غيره، ولم يكن ذلك لخوفه من القتل بل لشدّة السرور من سماع الوحي أو لسماع الوحي فجأة، وفيه دلالة على كمال القوّة النبوية.
قوله(عليه السلام): «ومُزِّقَ الْكِتَابُ». التمزيق التخريق والتقطيع، ولعل المراد بتمزيقه تقطيع أوراقه وتبديل أحكامه وتغيير ألفاظه.
قوله(عليه السلام): «صَابِراً مُحْتَسِباً». أي: طالباً لوجه الله تعالى وثوابه من احتسب بالشيء إذا اعتدّ به وجعله في الحساب، والحسب بالسكون العدّ والاحتساب منه كالاعتداد من العدّ، وإنّما قيل: احتسب العمل لمن ينوي به وجه الله لأن له حينئذ أن يعتدّ عمله فجعل في حال مباشرة الفعل كأنه معتدّ به، كذا في الفائق والنهاية.
قوله(عليه السلام): «سُنَنُ اللهَ وسُنَنُ رَسُولِه». السنن جمع السنّة وهي في الأصل الطريقة وفي الشرع ما أمر به النبي ونهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً، ولعل المراد بها هنا جميع ذلك كما هو الظاهر أو ما يتعلّق به أمر الخلافة بقرينة المقام.
قوله(عليه السلام): «فَقَالَ شَيْئاً شَيْئاً وحَرْفاً حَرْفاً». يريد أن فيها جميع وقائعهم ونوائبهم، ويحتمل أن يراد بالشيء الوقايع الكلية وبالحرف الوقائع الجزئية والتكرار لإفادة الشمول في كليهما.
قوله(عليه السلام): «أمَا سَمِعْتَ» استشهاد لما ذكر من أن في كتاب الوصية جميع ذلك.
قوله(عليه السلام): «إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى». أي: إنّا نحن نحيي الموتى بالبعث أو الهداية ونكتب ما قدّموا من الأعمال مطلقاً وآثارهم من علم أظهروه وظلم أسّسوه وغير ذلك كلّ شيء أحصيناه في إمام مبين وهو كتاب الوصية، وقيل: اللوح المحفوظ، وقيل: صحيفة الأعمال، والجميع محتمل.
قوله(عليه السلام): «فَقَالا بَلَى». أي: بلى فهمناه وقبلناه متلبِّسين بقبوله في الواقع والآن، وليس قوله «بقبوله» في أكثر النسخ.
قوله(عليه السلام): «وصَبَرْنَا». معطوف على الفعل المفهوم من قوله بلى، وكون الواو للحال بتقدير قد بعيده.
مجلة بيوت المتقين العدد (95 ـ 96 ـ 97)