التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة (عليهم السلام) في أمر الدين

1- عَنِ الْحَجَّالِ، عَنْ ثَعْلَبَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ وَأَبَا عَبْدِ اللهِ(عليهما السلام) يَقُولَانِ: (إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فَوَّضَ إِلى نَبِيِّهِ(عليه السلام) أَمْرَ خَلْقِهِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ طَاعَتُهُمْ». ثُمَّ تَلَا هذِهِ الْآيَةَ: (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)) [1].

2- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ(عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَدَّبَ رَسُولَهُ حَتّى قَوَّمَهُ عَلى مَا أَرَادَ، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ: (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فَمَا فَوَّضَ اللهُ إِلى رَسُولِهِ، فَقَدْ فَوَّضَهُ إِلَيْنَا»[2].

3- عَنْ صَنْدَلٍ الْخَيَّاطِ عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ(عليه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالى: (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) قَالَ: أَعْطى سُلَيْمَانَ مُلْكاً عَظِيماً، ثُمَّ جَرَتْ هذِهِ الْآيَةُ فِي رَسُولِ اللهِ(صلى الله عليه وآله)، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَا شَاءَ مَنْ شَاءَ، وَيَمْنَعَ مَنْ شَاءَ، وَأَعْطَاهُ اللهُ أَفْضَلَ مِمَّا أَعْطى سُلَيْمَانَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالى: (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [3].

4- عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ النَّحْوِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلى أَبِي عَبْدِ اللهِ(عليه السلام)، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ أَدَّبَ نَبِيَّهُ عَلى مَحَبَّتِهِ، فَقَالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)».

قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «وَإِنَّ نَبِيَّ اللهِ فَوَّضَ إِلى عَلِيٍّ وَائْتَمَنَهُ، فَسَلَّمْتُمْ وَجَحَدَ النَّاسُ؛ فَوَ اللهِ لَنُحِبُّكُمْ أَنْ تَقُولُوا إِذَا قُلْنَا، وَأَنْ تَصْمُتُوا إِذَا صَمَتْنَا، وَنَحْنُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ مَا جَعَلَ اللهُ لِأَحَدٍ خَيْراً فِي خِلَافِ أَمْرِنَا) [4].

الشرح:

قوله(عليه السلام): (أَدَّبَ نَبِيَّهُ عَلى مَحَبَّتِهِ)، التأديب: تعليم الأدب، وهو ما يدعو إلى المحامد من الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة.

وقوله(عليه السلام): (عَلى مَحَبَّتِهِ)، متعلق بأدب على تضمين معنى القيام، أو حال عن الضمير المجرور، أي كائنا، على محبته، ومحبته لله عبارة عن الإتيان بمرضاته، والصبر على موجبات قربه، والتوجه بالكلية إلى قدس ذاته، ومحبة الله إياه عبارة عن إفاضة الخير عليه، وتتابع الإحسان إليه، وإجابة ما يتمناه، وإعطاء ما يرضاه.

وقوله(عليه السلام): فَقَالَ: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، متفرع على التأديب، يعني بعدما أدبه وأكمل له محامده، وبلغه إلى غاية كماله، خاطبه بذلك القول مؤكداً بأن واللام واسمية الجملة، والتنكير المفيد للتعظيم، والتصريح به للدلالة على علو قدره وتفرده بذلك، وتقرير حبه في الأذهان، إذ ما من أحد ولو كان كافراً إلا وهو يمدح الخلق وصاحبه.

وقوله(عليه السلام): (ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ)، للتفويض معان بعضها باطل وبعضها صحيح.

أما الباطل: فهو تفويض الخلق والإيجاد والرزق والإحياء والإماتة إليه، يدل على ذلك ما روي عن الرضا(عليه السلام) قال: (اللهم من زعم أننا أرباب فنحن منه براء، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق فنحن عنه براء كبراءة عيسى بن مريم من النصارى)[5].

وما روي عن زرارة قال: قلت للصادق(عليه السلام): (إن رجلا من ولد عبد المطلب بن سبأ يقول بالتفويض فقال: وما التفويض؟ فقلت: إن الله عز وجل خلق محمداً(صلى الله عليه وآله) وعلياً(عليهما السلام)، ثم فوض الأمر إليهما فخلقاً ورزقاً وأحيياً وأماتا، فقال(عليه السلام): كذب عدو الله، إذا رجعت إليه فاقرأ عليه الآية التي في سورة الرعد (أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ، قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)، فانصرفت إلى الرجل فأخبرته بما قال الصادق(عليه السلام) فكأنما ألقمته حجرا - أو قال فكأنما خرس)[6].

وأما الثاني فأقسام:

منها: تفويض أمر الخلق إليه، بمعنى أنه أوجب عليهم طاعته في كل ما يأمر به وينهى عنه، سواء علموا وجه الصحة أم لم يعلمواً وإنما الواجب عليهم الانقياد والإذعان بأن طاعته طاعة الله تعالى.

ومنها: تفويض القول بما هو أصلح له أو للخلق وان كان الحكم الأصلي خلافه، كما في صورة التقية، وهي أيضاً من حكم الله تعالى، إلا أنه منوط على عدم إمكان الأول بالإضرار ونحوه.

ومنها: تفويض الأحكام والأفعال، بأن يثبت ما رآه حسنا ويرد ما رآه قبيحاً، فيجيز الله تعالى لإثباته إياه.

ومنها: تفويض الإرادة بأن يريد شيئاً لحسنه ولا يريد شيئا لقبحه فيجيز الله تعالى إياه.

وهذه الأقسام لا تنافي ما ثبت من أنه لا ينطق إلا بالوحي لأن كل واحد منها ثبت من الوحي إلا أن الوحي تابع لإرادته، يعني إرادة ذلك فأوحى إليه، كما أنه أراد تغيير القبلة وزيادة الركعتين في الرباعية والركعة في الثلاثية وغير ذلك فأوحى الله تعالى إليه بما أراد، إذا عرفت هذا حصلت لك بصيرة على موارد التفويض في الأحاديث فليتأمل.

وقوله (عليه السلام): (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ) هذا ظاهر في القسم الأول.

وقوله (عليه السلام): (وَنَحْنُ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ) نبين لكم ما أراد الله منكم ونحصل لكم ما أردتم منه ونوردكم مورد الكرامة منه.

قوله (عليه السلام) (في خلاف أمرنا) خلافه عبارة عن عدم الاعتقاد بحقيته، سواء كان مع الاعتقاد بحقية نقيضه أم لا.

مجلة بيوت المتقين العدد (84)

 


[1] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص266.

[2] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص268.

[3] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص268.

[4] الكافي، الشيخ الكليني: ج١، ص265.

[5] الاعتقادات، الشيخ الصدوق: ص100.

[6] البحار، العلامة المجلسي: ج25، ص343.