يُروى أنّ الشيخ محمد الاشتهاردي التقى بأحد علماء الشافعية، وكان هذا العالم ضليعاً في فهم الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة، فبدأ اعتراضه مع الشيخ الاشتهاردي على الشيعة بهذا السؤال:
إنّ الشيعة يطعنون أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وهذا خلاف ما نصّ به القرآن الكريم؛ لأنّ الصحابة بنص القرآن الكريم أنّ الله راضٍ عنهم، فالذي يقع في مورد رضى الله لا يجوز لعنه وسبّه، قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)[1].
وكما تعرف ـ مخاطباً الشيخ الاشتهاردي ـ أنّ هذه الآية الشريفة نزلت في شهر ذي الحجة من السنة السادسة من الهجرة عندما أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يخرج من المدينة إلى مكة معتمراً مع ألف وأربعمئة من المسلمين، فيهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم من الصحابة[2].
ولما بلغ (عسفان) قرب مكة، علمت قريش بمسيرة النبي(صلى الله عليه وآله) فخرجوا ليمنعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) والمسلمين من الدخول إلى مكة، فأمر رسول الله(صلى الله عليه وآله) أن يسلكوا طريقاً يوصلهم إلى الحديبية لاحتوائها على الماء والأشجار ويهبطوا فيها، وكانت الحديبية تبعد عن مكة عشرين كيلومترا، وليعلم ما يكون أمره مع قريش.
في البدء أرسل رسو ل الله(صلى الله عليه وآله) خراش بن أمية الخزاعي إلى مكة وحمله على جمل له يقال له الثعلب فلما دخل مكة عقرته قريش وأرادوا قتل خراش فمنعتها الأحابيش حتى أتى رسول (صلى الله عليه وآله)، فدعا عمر ليبعثه إلى مكة فقال عمر: يا رسول الله إنّي أخاف قريشاً على نفسي وليس بها من بني عدي أحد يمنعني، وقد عرفت قريش عداوتي إيّاها، وغلظتي عليها، ولكن أدلك على رجل هو أعزّ مني عثمان بن عفّان، فدعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) عثماناً فبعثه إلى قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب، وأنّه جاء زائراً معتمراً لبيت الله تعالى، معظِّماً لحرمته، فخرج عثمان حتى أتى مكة، فالتقى بأبي سفيان وعظماء قريش، فبلّغهم عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ما أرسله به، فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله(صلى الله عليه وآله) والمسلمين أنّ عثماناً قد قُتل، فقال(صلى الله عليه وآله): لا نبرح حتى نناجز القوم! ودعا الناس إلى البيعة، فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة.
عندها بايع المسلمون رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أن يدافعوا عن الإسلام إلى آخر نفس فيهم، ولم يمضِ وقتٍ حتى رجع عثمان سالماً، وأرعبت هذه البيعة قريشاً فأرسلوا سهيل بن عمرو إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وقالوا له: اِئتِ محمداً فصالحه، فكان صلح الحديبية، ومن ضمن شروط الصلح أن قالوا: إنّك ترجع عنّا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة.
فعندها نزلت الآية: (181) من سورة الفتح، ورضى الله عن الذين بايعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إذاً فالأصحاب الذين رضي الله عنهم لا يجوز الطعن فيهم!!
فقال الشيخ محمد الاشتهاردي:
أولاً: إنّ هذه الآية المباركة تنحصر بالذين بايعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولا تشمل الآخرين.
ثانيا: إنّ هذه الآية لا تشمل المنافقين الذين حضروا البيعة أمثال: عبد الله بن أُبي، وأوس بن خولي وغيرهما... لأنّ آية الرضى ـ لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ـ أخرجتهم عن كونهم مؤمنين، أي: أخرجتهم من دائرة الإيمان إلى دائرة النفاق.
ثالثا: الآية المذكورة تُشير إلى الذين كانوا في زمن البيعة ورضي الله عنهم، وليس معناها أنّ الله رضي عنهم إلى الأبد، أي: قد تطرأ على الفرد حالات مستقبلية تناقض حاله الماضية.
وبهذا الدليل نقرأ: (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)[3].
فدلّت الآية على احتمال أن ينكث بعض الصحابة الحاضرين للبيعة بيعتهم، كما حصل بعد ذلك من قِبل بعضهم، فعليه إنّ آية الرضوان لا تدل على الرضا الأبدي عن الذين بايعوا رسول الله(صلى الله عليه وآله)، بل يحتمل أمران، فريق يبقي بيعته، وفريق ينكث بيعته.
فمن ينكث بيعته لرسول الله(صلى الله عليه وآله) يجوز الطعن فيه مع كونه صحابياً[4].
مجلة اليقين، العدد (68)، الصفحة (8 - 9).