كانت الأرض قد تشرّفت من ذي قبل بولادات أنوار طاهرة مباركة، قد استخلصهم الله لنفسه، وقربهم إليه، أهبط إليهم ملائكته، وكرّمهم بوحيه، ورفدهم بعلمه، فجعلهم الذريعة إليه، والوسيلة إلى رضوانه، فأناروا الأرض بهدايتهم، وجلّلوها بتوحيدهم، وكسوها من حلل أنوارهم، مرسلين مبشرين منذرين من رب الأرباب، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، والأخذ بأيديهم إلى حيث السلام والأمان، لكن الأرض لم تزل تأن من ثقل الظالمين، وجهل الكفار والمشركين، حتى انتهى الأمر إلى بزوغ الفجر وانقشاع قطع الظلام، وأشرقت الأرض بنور ربها، بعد أن أخرج الله المولود الخاتم من صلب طاهر ورحم مطهّر، فرجمت النجوم الشياطين، وانكبّت الأصنام على وجوهها، وإرتَجَّ ذلك الإيوان الكسروي وتزلزل من مكانه، وانخمدت نيران الفرس وانطفى لهيبها، والكل يسأل عن تسارع أحداث التكوين، وتغيّر علامات السموات والأرضين، وكأنّ الجواب يأتي من السماء، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[1]، (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)[2]، فقد انتجب الله تعالى سيّدَ مَن خَلَق، وصفوةَ مَن اصطفى، وأفضلَ مَن اجتبى، وأكرمَ مَن اعتمد، قدّمه على أنبيائه، وبعثه إلى الثَّقلين من عباده، وجعله خاتماً للمرسلين، وسيداً للخلق أجمعين، فكان وما زال وسيبقى رحمة للعالمين، بلّغ رسالات ربه، ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله حق الجهاد، قد رؤف بالمؤمنين، وغلظ على الكافرين، وعبد الله حق عبادته حتى أتاه اليقين، فسلام على رسول الله(صلى الله عليه وآله) بما صدع وبلّغ وجاهد، وسلام عليه بما قدّم لأمته من قول أو فعل، والسلام عليه وعلى روحه الطيب وبدنه الطاهر.
مجلة اليقين العدد (68)