الوهابية

إنّ المدرسة الوهابيّة هي امتداد فكري لما وضعه ابن تيميّة في أوائل القرن الثامن الهجري وتعتبر حركتهم انعكاساً جذرياً لمبادئه الضالّة، ويبرز من ذلك تساؤل عن نجاح محمّد بن عبد الوهّاب النسبي في تطبيق وإقرار مبادئ دعوته، دون مؤسّس المنهج أحمد بن تيميّة، فقد أخفق في دعوته، وأخمدت في بادئ بدئها، وإن كان قد تبعه بعض الناس فلم تكن متابعتهم له عن علم بمبادئه وغاياته.

وكان ابن كثير الشامي التابع لمنهج ابن تيميّة يقول: كان الناس يتبرّكون بجنازته[1]، مع أنّه عنده شرك، والشرك من أعظم الجرائم عند ابن تيميّة، فلم تكن متابعة جماعة من الناس له عن إحاطة ودراية، بل مخالفته للحكم السائد في الشام، وإبعاده منها إلى مصر ثمّ سجنه، صارت سبباً لاستمالة قلوب الناس إليه من دون وعي بمعتقده، وهذا بخلاف محمّد بن عبد الوهّاب، فقد تكللت دعوته بالنجاح النسبي، فيا ترى ما هو السبب؟

نجيب بكلمة واحدة: إنّ ابن تيميّة افتقد الأرضيّة الكفيلة بإنجاح دعوته لأنّه بثّها بين أوساط علميّة، كان فيهم كبار العلماء والفقهاء، فأخمدوا ضوضاءها بالاستدلال والبرهنة، فثاروا في وجهه ثائرة أخمدت دعوته وأبطلت كيده، وكانت السلطة أيضاً ناصرت العلماء في مجابهتهم له، فلم يكن لبذرة الفساد نصيب سوى الكمون في ثنايا الكتب، أو النجاح في مرضى القلوب.

وأمّا ما يرتبط بدعوة محمّد بن عبد الوهّاب فقد ساعد على إنجاحها وجود أرضيّة خصبة مليئة بالأُمية والجهل بمبادئ الإسلام، تضاف إلى ذلك مناصرة سلطة آل سعود وتحالفهم معه في تطبيق دعوته، على أن يكون التخطيط من الشيخ، والإنجاز من السلطة بالقوّة والإغارة والفتك والتخويف.

يقول الزهأوي: لمّا رأى ابن عبد الوهّاب أنّ قاطبة بلاد نجد بعيدون عن عالم الحضارة، لم يزالوا على البساطة والسذاجة في الفطرة، وقد ساد عليهم الجهل حتّى لم تبق للعلوم العقليّة عندهم مكانة ولا رواج، وجد هنالك من قلوبهم ما هو صالح لأن تزرع فيه بذور الفساد، ممّا كانت نفسه تنزع إليه وتمنيه به من قديم الزمان، وهو الحصول على رئاسة عظيمة ينالها باسم الدين -إلى أن قال-: فلم يجد للحصول على أُمنيته طريقاً بين أولئك إلّا أن يدّعي أنّه مجدد في الدين، مجتهد في أحكامه؛ فحمله هذا الأمر على تكفير جميع طوائف المسلمين، وجعلهم مشركين بل أسوأ حالاً وأشدّ كفراً وضلالاً، فعمد إلى الآيات القرآنيّة النازلة في المشركين فجعلها عامة شاملة لجميع المسلمين، الذين يزورون قبر نبيّهم ويستشفعون به إلى ربّهم[2].

المصدر: مجلة اليقين العدد (10)

 


[1] البداية والنهاية، ج١٤، حوادث عام ٧٢٨.

[2] جميل صدقي: الفجر الصادق، ص١٤.